فصل: الجزء الثالث

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الزكاة

ومعناها في اللغة الزيادة من زكا يزكو زكاء بالمد إذا زاد بذاته كالزكاة بصفاته كالإنسان، وما يقصر معناه الزوج من العدد والفرد‏.‏ سمي المأخوذ من المال زكاة وإن كان ينقص؛ لأنه يزكو في نفسه من الله تعالى لقوله - عليه السلام -‏:‏ ‏"‏

من تصدق بكسب طيب ولا يقبل الله إلا طيباً كأنما يضعها في كف الرحمن يربيها له كما يربي أحدكم فلوه أو فصيلة حتى تكون مثل الجبل ‏"‏، أو لأنه يزكي المال فحذف من صفته لما في أبي داود قال - عليه السلام -‏:‏ ‏"‏

ما فرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم ‏"‏، فإذا لم يخرج كان خبيثاً‏.‏ ولذلك سميت أوساخ الناس، وفي ذاته بالبركة، أو لأنه يزكي المأخوذ منه في صفته لقوله تعالى‏:‏ ‏"‏خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها‏"‏ ‏(‏التوبة‏:‏ 103‏)‏ والمال المصروف للدار الآخرة فإنه يضاف إليه فيزيد فيه، وهو المال المعتبر في الحقيقة لقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ما عندكم ينفد وما عند الله باق‏"‏ ‏(‏النحل‏:‏ 96‏)‏

وكان بعض السلف يقول للسائل‏:‏ مرحباً بمن يوفر مالنا لدارنا، أو لأنه يؤخذ من الأموال التامة الزاكية بذاتها، كالحرث والماشية أو بغيرها كالنقدين‏.‏

فالأول من مجاز التشبيه، والثاني من مجاز إعطاء المسبب المادي، والثالث من مجاز إعطاء المسبب حكم السبب الغامض‏.‏ والرابع من مجاز التشبيه إن جعلنا الزيادة حقيقة في الأجسام دون المعاني وإلا فهو حقيقة، والخامس من مجاز إعطاء المسبب حكم السبب المادي عن حقيقتة، خلاف ما تقدم في الثاني‏.‏ قال في ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ من الزكاة معروف المال، فعلى هذا هي حقيقة، ويكون اللفظ يشترك بين الزيادة والمعروف‏.‏ وتسمى صدقة في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها‏"‏ ‏(‏التوبة‏:‏ 103‏)‏ من التصديق‏.‏

حقا في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏وآتو حقه يوم حصاده‏"‏ ‏(‏الأنعام‏:‏ 141‏)‏؛ لأن هو الثابت وهو الثابت بوجوبها‏.‏

وسميت عفوا في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏خذ العفو‏"‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 199‏)‏؛ لأن العفو في اللغة الزيادة أي‏:‏ الزيادة على الغنى‏.‏

قاعدة‏:‏ الأصل في كثرة الثواب والعقاب أو قلتهما وقد تستوي مصلحة الفعلين من كل وجه، ويوجب الله تعالى أو عليه ويجعل ثوابه أتم أجراً، فإن درهما من الزكاة مساو في المصلحة لدرهم من تعالى أن لم يوجبه لتقاعد الأغنياء عن بر الفقراء فيه فيهلكوا، وعظم أجره ترغيباً في إكرامه ودفعه‏.‏

ومن تفضيل التساوي بين الحج والعمرة والصوم في رمضان، فإن كان أياما من غيره وأن القراءة والأذكار في الفرض أفضل من مثلها في النفل، وتكبيرة الإحرام مع سائر التكبيرات والأذكار في القرآن إذا قصد بها غير القرآن جازت بغير طهارة، بل قد يكون النفل أعظم مصلحة من الواجب كالتصدق بشاة سمينة، والتزكية بدونها، والتصدق بحقة والتزكية ببنت مخاض مع القطع بأن ثواب الواجب أتم لقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ ولن يتقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه‏.‏

وهذا الحديث معمول به إذا تساوى الفرض والنفل‏.‏

أما إذا تفاوتا بالقلة والكثرة مثل التزكية بشاة والتصدق بعشرة الاوساة فيحمل أن يكون الفرض أفضل ويحتمل العكس، وفيه مخالفة ظاهر الحديث وليس في التزام وبعد كثير، كما فضل الله تعالى هذه الأمة مع قلة عملها على اليهود والنصارى وسائر الأمم، والصلاة في المسجدين على الصلاة الكثيرة في سائر المساجد‏.‏

تنبيه‏:‏ أوجب الله تعالى الزكاة شكراً للنعمة على الأغنياء وسداً لخلة الفقراء وكمل هذه الحكمة بتشريكه بين الأغنياء والفقراء في أعيان الأموال بحسب الإمكان حتى لا تنكسر قلوب الفقراء باختصاص الأغنياء بتلك الأموال‏.‏

ومتعلقاتها في الشرع ستة‏:‏ النقدان والماشية والحرث والتجارة والمعادن والفطر، ولم يوجبها في غير هذا من نفائس الأموال مع حصول النماء فيها، والفرق‏:‏ أن العقار كالأراضي والدور مشتملة على الأموال ركوبه، فاكتفى بتزكية ما يخرج منها، فإن الغالب الرفع من النقدين في الأخذ، ومن الحرث في الأراضي، وأما الجواهر فلا يملكها إلا قليل من الناس‏.‏

تمهيد‏:‏ قال صاحب ‏(‏التلقين‏)‏‏:‏ كل عين جاز بيعها جاز تعلق الزكاة بها، قالوا‏:‏ يشكل بالدور والجواهر وغيرها فإنها يجوز بيعها ولا يجوز تعلق الزكاة بها‏.‏ والجواب أن نقول كل ما جاز بيعه جاز أن يكون تجارة، وكل ما جاز أن يكون تجارة جاز تعلق الزكاة به، ينتج‏:‏ كل ما جاز بيعه جاز تعلق الزكاة به بالضرورة، ولم يقل - رحمه الله - وجبت الزكاة فيه، وإنما قال‏:‏ جاز تعلق الزكاة به‏.‏

قال صاحب ‏(‏المقدمات‏)‏‏:‏ من جحد وجوبها كفر، ومن أقر ومنعها ضرب وأخذت منه كرها‏.‏ فإن امتنع في جماعة وقوة قوتلوا حتى تؤخذ كما فعل الصديق - رضي الله عنه -، وقال ابن حبيب‏:‏ من اعتراف بالوجوب وامتنع كفر كما قاله في الصلاة‏.‏ وفي الكتاب أبواب تسعة‏.‏

الأول‏:‏ في زكاة النقدين

والنظر في سبب الوجوب وشروطه وموانعه، والجزء الواجب، والواجب عليه، فهذه خمسة أنظار،

النظر الأول في التسبب

وهو أن يملك نصابا من الذهب وهو عشرون ديناراً مسكوكة أو غير مسكوكة، أو من الورق وهو مائتا درهم مسكوكة أو غير مسكوكة‏.‏

وفي ‏(‏التنبيهات‏)‏‏:‏ النصاب في اللغة الأصل، ومنه قول السموأل‏:‏

ونحن كماء المزن لا في نصابنا *** كهام ولا منا يعد بخيل

وأصله المنار وهو العلم ومنه الأنصاب، حجارة نصبت علما للعبادة، وأخذت من الارتفاع؛ لأن نصائب الحوض حجارة ترفع حوله، والنصاب أصل الوجوب وعلم عليه، ومرتفع عن القلة، فاجتمعت المعانني كها فيه، وفي النسائي قال عليه السلام‏:‏

المكيال على مكيال أهل المدينة، والوزن على وزن أهل مكة‏.‏ وفي الجواهر قال ابن حنبل‏:‏ أخبرني كل من أثق به أن دينار الذهب بمكة وزنه اثنان وثمانون حبة‏.‏ وثلاثة أعشار الحبة من حب الشعير المطلق، والدرهم سبعة أعشار المثقال، فالدرهم المكي سبع وخمسون حبه وستة أعشار الحبة وعشر عشر حبة، قال سند‏:‏ كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل، وكانت الدراهم بغلية ثمانية دوانق، وطبرية أربعة دوانق، فجمعت في الإسلام وكل جعل كل درهم ستة دوانق، وقال غيره‏:‏ والبغلية كبرت لرداءتها، وكان الاجتماع على ذلك في زمن عبد الملك بن مروان، والظاهر من الاجتماع إنما كان لاذهاب تلك الرداءة التي هي من آثار الكفر، وإن الدرهم كان معلوما في زمنه عليه السلام؛ ولذلك رتب الزكاة عليه، وكانت الأوقية في زمنه أربعين والسن نصف أوقية، والنواة خمسة دراهم‏.‏

والدنانير في الأحكام ‏(‏خمسة‏)‏، ثلاثة، اثنا عشر في الدية والنكاح والسرقة ويجمعها أنها في الذمة، واثنان، عشرة عشرة في الزكاة والجزية؛ لأن تقسيط المقدر من الدراهم على المقدر من الدنانير يقتضيه‏.‏

تنبيه‏:‏ الدرهم المصري أربعة وستون حبة، فهو أكثر من درهم الزكاة، فإذا أسقطت الزائد كان النصاب من دراهم مصر مائة وثمانين درهما وحبتين فقط‏.‏

والنقدان ثلاثة أقسام‏:‏ أعيان موجودة، وقيم المتاجر، وديون في الذمة‏.‏ القسم الأول‏:‏ النقود الموجودة، وهي الذهب والفضة، وفي الكتاب‏:‏ إذا كان عنده فلوس قيمتها مايتا درهم لا زكاة، إلا ان يكون مديراً فتجري مجرى العرض، وكره الربا فيها، وقال ش، ح‏:‏ إذا أعدت للمعاملة وجبت في قيمتها الزكاة، ولا يعتبر وزنها اتفاقا، والفرق بين الزكاة والربا‏:‏ أن الربا أشد؛ لأن البين عند الجميع، والمطعومات عند ش والمكيالات عند ح ربويات، وليست كلها زكوية مع أن مالكا لم يحرم، وإنما كره الربا فيها‏.‏

‏(‏فروع خمسة‏)‏‏:‏

الأول‏:‏ ما زاد على النصاب أخذ منه بحسابه عند مالك وش وابن حنبل، وقال طاوس‏:‏ لا شيء فيه حتى يبلغ مائتين أخرى، وقال ح‏:‏ لا شيء فيه حتى تصير الدراهم مائتين وأربعين، والدنانير أربعة وعشرين محتجاً بما في أبي داود‏:‏ قال عليه السلام عفوت لكم عن الخيل والرقيق، فهاتوا صدقة الرقة، من كل أربعين درهما درهم، وليس في تسعين ومائة شيء، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم، ولأنه نصاب مزكي فيكون له وقص كالمائية‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أنه معارض بما في أبي داود‏:‏ قال عليه السلام لعلي - رضي الله عنه -‏:‏ ‏(‏

إذا كان لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيء يعني‏:‏ في الذهب حتى يكون لك عشرون دينارا‏)‏، فإذا كان لك عشرون دينارا، ففيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك‏)‏ وفي سنده وهن، ولأن الاستدلال بما ذكرتموه إنما هو من جهة مفهوم العدد، وهو معارض بالمنطوق، وهو أقوى منه إجماعا بما في قوله عليه السلام‏:‏ ‏"‏ في الرقة ربع العشر ‏"‏، وعن الثاني‏:‏ ‏(‏الفرق‏)‏ بأن التجزئة في المواشي عشرة بخلاف النقدين، والمعارضة بالقياس على الحبوب وهو أولى من القياس على المواشي، لأجل تيسير التجزيء وعدم اختلاف النصاب‏.‏

فائدة‏:‏ الرقة بكسر الراء وفتح القاف وتخفيفها‏:‏ الدراهم المسكوكة، لا يقال في غيرها، والورق‏:‏ المسكوك وغيره، قاله في ‏(‏التنبيهات‏)‏‏.‏

الثاني‏:‏ لو كانت المائتان ناقصة تجوز بجواز الوازنة، قال الأبهري‏:‏ ومعنى النقصان أن تكون في ميزان دون آخر، فإن نقصت في الجميع فلا زكاة، وقال عبد الوهاب‏:‏ بل فيها الزكاة إذا تسامح الناس بذلك، وعليه جمهور الأصحاب، وقال محمد‏:‏

إن نقصت كل دينار ثلاث حبات وهي تغتفر وجبت الزكاة، وفي ‏(‏الموطأ‏)‏ كتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله بمصر‏:‏ أن انظر من مر بك من المسلمين فخذ مما ظهر من أموالهم مما يريدون من التجارة من كل أربعين دينارا دينارا، فما نقص فبحساب ذلك، حتى تبلغ عشرين دينارا، فإن نقصت ثلث دينار فلا تأخذ منها شيئا‏.‏

قال صاحب ‏(‏تهذيب الطالب‏)‏‏:‏

قال عبد الملك‏:‏ إذا جازت بجواز الوازنة وجبت الزكاة، كان النقص ما كان بحصول المقصود، هذا في المسكوكة، وأما غيرها فقال عبد المالك‏:‏ إذا نقص غير المسكوك درهما من المائتين، أو ثلث دينار لم تجب الزكاة، قال‏:‏ وتعارض الموازين كتعارض البينتين والخبرين والقياسين، والمثبت أولى من النافي‏.‏

قال صاحب ‏(‏المقدمات‏)‏‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ تجب الزكاة في مائتي درهم بوزن زماننا، ويزكي أهل كل بلد بوزنهم وإن كان أقل من الكيل، قال‏:‏ وهو بعيد جدا، وقال ابن حبيب بقول مالك، وقال ش وح‏:‏ إذا نقص النصاب حبة لا تجب الزكاة، ورواه صاحب ‏(‏الجواهر‏)‏ عن مالك‏.‏

الثالث‏:‏ إذا كان النقد مغشوشا يسيرا جدا كالدانق في العشرة‏:‏ فلا حكم له، وإلا فالمعتبر بما فيه حق النقد قل أو كثر، وقاله ش وابن حنبل، وقال الحنفي وابن النجار منا‏:‏ الحكم للأغلب، وظواهر النصوص تمنع الاعتداد بغير النقدين‏.‏

الرابع في الكتاب‏:‏ يضم الذهب إلى الورق بالأجزاء لا بالقيمة، ويخرج من كل صنف ربع عشره، وقاله ح وش وابن حنبل وقال‏:‏ هما جنسان لا يمتع التفاضل بينهما فيمتنع الضم كالإبل مع البقر، والفرق‏:‏ أنهما رءوس الأموال وقيم المتلفات، والواجب في الجميع ربع العشر بخلاف غيرها، وقال ح‏:‏ يكمل النصاب بالورق أو القيمة لحصول المقصود، وجوابه‏:‏ لو ملك عشرة قيمتها مائتا درهم لم تجب الزكاة إجماعا، وأما الإخراج من كل صنف فلأنه أعدل للفقراء والأغنياء مع علة الاختلاف بخلاف الحبوب، لما عظم الخلاف فيها اعتبر الوسط عدلا بين الفريقين‏.‏

فائدة هندسية فقهية يعلم بها النقد المغشوش هل هو مغشوش أم لا‏؟‏ وإن كان مغشوشا فما مقدار غشه‏؟‏ وهل الغش من النقد الزكوي فيضم بعد العلم بمقداره أو من غيره فيطرح من غير حما بالنار‏؟‏ ولا برد بالمبرد ولا حك بالميلق، بل يعلم ذلك والذهب والفضة على حاليهما من سكة أو صياغة أو ترصيع فصوص مع بقائه على منحته، وهي فائدة يحتاجها الفقهاء والقضاة في أموال الأيتام، والملوك وأرباب الأموال النفيسة، وهي من عجائب المعقولات مما تعب الأقدمون التعب الكثير حتى فتح الله عليهم بها‏.‏

وصورة ذلك‏:‏ أن يتخذ ميزانا تتحرك علاقة كفته من طرف العمود إلى وسطه، ويعمل على طرف العمود علامة متقاربة متناسبة البعد محررة التساوي، ثم تأخذ ذهبا أو فضة خالصين وتسوى زنتهما في الهواء، ولتكن كفتا الميزان من جسم يغوص في الماء متساويتي الزنة والمساحة، ثم نزلهما في مائع متساوي الأجزاء، سهل الحركة كالماء الصافي ونحوه، فيحصل في كفة الذهب من الماء أكثر مما في كفة الفضة ليتلزز الذهب فتحرك علاقة كفته على العمود حتى يساوي الفضة في الماء، كما ساواها في الهواء، وتحفظ عدد تلك العلامات ‏(‏التي‏)‏ قطعتها علاقة كفته، ولتكن ستة مثلا فيعلم أن ذلك فضل الذهب الخالص على الفضة الخالصة، ونفرض أن الجرم الممتحن ذهب فتزنه بفضة خالصة في الهواء ثم تضعها في الماء فترجح كفة الممتحن لتلزز الذهب، فتسوي بينهما في الماء بتحريك العلاقة على الرد، فإن قطعت العلاقة تلك العلامات الست فهو خالص لا غش فيه، وإن حصلت المساواة دون ذلك، ولتكن حصلت بالحركة على أربع فقط، فقد بقي الثلث، فثلثه فضة، وعلى هذه النسبة، أو يعمل جرمين متساويي العظم أحدهما ذهب خالص والآخر فضة خالصة، وتحرر وزنهما، ولتكن الفضة أربعة، والذهب خمسة، ويعمل جرما آخر مساويا عظمه لعظم الممتحن فضة خالصة، ولتعرف وزنه، ولتكن سبعة، ووزن الممتحن ثمانية بزيادة الممتحن واحد ونسبته إلى السبعة، نسبة السبع، ونسبة الواحد في الذهب الخالص إلى الفضة الخالصة نسبة الربع، ففي الممتحن من الغش بقدر ما بين الربع والسبع، فلو كان الممتحن ثمانية ونصفا وربعا حتى يكون لزائد مثل ربع الفضة التي تقابله، كان خالصا فإن عسر علينا وجود فضة متساوية للمختلط عملنا جرمين من شمع أو غيره، أحدهما مساو عظمه لعظم المختلط، والآخر يساوي عظمه عظم فضة ‏(‏مساوية للمختلطة‏)‏ أعددناها، ثم تعرف زنة الشمعين، فإن كانت نسبة زنة شمع الممتحن إليه كنسبة زنة شمع الفضة إليها فالممتحن فضة خالصة، وإن كان ذهبا فاجعل مكان الفضة ذهبا، فإن عسر اتخاذ جرم يساوي عظمه عظم المختلط فتزنه بصنج في الهواء في ميزان محكم، ثم تزيله من الميزان، وتملأ كفتيه بالماء، ثم تضع الممتحن في الكفة فيطلع بعض الماء وترجح الكفة فتقابله بالصنج في الكفة الأخرى، فتكون هذه الصنج أكثر من صنج الهواء إن كان جوهرها أخف من جوهر الذهب؛ لأن الخالص حينئذ من الماء معها أقل، ومع الممتحن أكثر، فإن كانت أثقل من جوهر الذهب كانت أقل من صنج الهواء، أو مساوية له كانت مساوية لصنج الهواء، ثم تحفظ نسبة ما بين الهواء والماء من زيادة الصنج وقلتها، وتفعل مثل ذلك بجسم خالص من الذهب إن كان الممتحن ذهبا أو فضة إن كانت فضة، فإن استوت النسبتان فهو خالص، أو اختلفتا فهو مغشوش بقدر الاختلاف، وبهذه الطريق يمتحن سائر المعادن‏.‏

الخامس‏:‏ حلي التجارة المفصل بالياقوت ونحوه يزكي عليه غير المدير وزنه كل عام، والحجارة بعد البيع، والمدير يقوم الحجارة في شهر زكاته ويزكي وزن الحلي‏.‏ وفي ‏(‏المقدمات‏)‏‏:‏ إن كان مربوطا بالحجارة ربط صياغة‏:‏ روى ابن القاسم‏:‏ لا تأثير للربط، فإن كان الذهب تبعا للحجارة ووزنه زكى الذهب تحريا كل عام، وإذا باع زكى ما ينوب الحجارة بعد حول من يوم البيع، وإن اشتراه للتجارة وهو مدير قوم الحجارة وزكى وزنه تحريا، وهو ظاهر ‏(‏المدونة‏)‏ وقال التونسي‏:‏ تقوم الصياغة، وإن كان محتكرا زكى الذهب كل عام تحريا، وثمن الحجارة بعد البيع لعام واحد، فعلى ظاهر ‏(‏المدونة‏)‏ يفض الثمن على الحلي مصوغا وقيمة الحجارة، وعلى قول التونسي‏:‏ لا يحتاج إلى الفض، بل يسقط عدد ما زكى تحريا ويزكي الباقي، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ إذا لم يمكن النزع فهل يعطي كل نوع حكمه بالتحري أو يغلب الحجارة فيكون الجميع عرضا، أو يكون الحكم للأكثر‏؟‏‏.‏

القسم الثاني من النقدين ما يكون قيما في المتاجر، والتاجر إما أن يباشر بنفسه أو بغيره، والمباشر بنفسه إما أن ينتظر حوالة الأسواق - وهو المحتكر – أولا - وهو المدير - والمباشر لغيره هو المقارض، فهذه ثلاث حالات‏:‏ الحالة الأولى‏:‏ المحتكر، فتجب الزكاة عليه عند مالك والأئمة لقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ‏"‏‏.‏ ‏(‏التوبة‏:‏ 103‏)‏ وفي أبي داود‏:‏ ‏(‏

كان عليه السلام يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعده للبيع‏)‏ وفي هذه الحالة‏:‏

‏(‏فروع ستة‏)‏‏:‏

الأول، قال سند‏:‏ فإن اشترى بعض كان للتجارة، ولم تخل نيته فعليه الزكاة إذا باع، فإن اشترى بعرض مقتنى تنزل المشتري منزلة أصله، ولا تؤثر فيه نية التجارة تغليبا للأصل، قاله‏:‏ مالك، خلافا للأئمة، ولأنه لم يملكه بعين زكاته ولا ما تضمنها، فهو كالهبه والميراث والغنيمة إذا نوى بها التجارة، فلا زكاة عند الجميع، ولأن زكاة القيم تابعة لزكاة العين، ولا عين، فلا زكاة، فإن اشتراه لعين بناه على حولها، فإن لم يبعه بعد حول العين، قال مالك‏:‏ لا يزكي حتى يبيع خلافا ل‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏ وخيراه بين إخراج ربع عشر العرض أو ربع عشر قيمته، لنا‏:‏ أن وجود العين في يده معتبر في الابتداء فكذلك في الانتهاء، فإن زكى قبل البيع لم تجزه عند ابن القاسم لعدم الوجوب خلافا لأشهب؛ لأنه يرى الوجوب متحققا، وإنما ترتب الإخراج على البيع وهو مذهبه في الدين‏.‏

الثاني‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا استهلك عرض التجارة فأخذ قيمة بناها علي حوله كالثمن؛ لأنه ثمن بالعقد، والقيمة ثمن بالشرع، ولأن القيمة قائمة مقام المقوم، ولذلك سميت قيمة، فإن أخذ بالقيمة سلعة للتجارة ‏(‏فهي للتجارة، أو للقنية‏)‏ فهي للقنية لا تزكى بعد البيع، قال سند‏:‏ إذا أخذ من المتعدي عروضا فلا زكاة ولو حال عليها الحول قبل التعدي، وكذلك لو باع بثمن فلم يقبضه حتى أخذ عنه عرضا لعدم وجود العين‏.‏

الثالث‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا باع سلعة للتجارة بعد الحول فإنه يزكي حينئذ بعد القبض، فإن أخذ في المائة ثوبا فباعه بعشرة فلا يزكي إلا أن يكون عنده ما يكمل به النصاب، أو يبيع بنصاب؛ لأن القيم أمور متوهمة، وإنما يحققها البيع‏.‏

الرابع‏:‏ قال ابن القاسم في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا ابتاع عبدا للتجارة فكاتبه فعجز، أو ارتجع من مفلس سلعته، أو أخذ من غريمه عبدا في دينه أو دارا فأجرها سنين، رجع جميع ذلك لحكم أصله من التجارة، فإن ما كان للتجارة لا يبطل إلا بنية القنية، والعبد المأخوذ يتنزل منزلة أصله‏.‏ قال سند‏:‏ فلو ابتاع الدار أو غيرها بقصد الغلة، ففي استئناف الحول بعد البيع لمالك روايتان، وأجاز ابن القاسم الاستئناف، ولو ابتاعها للتجارة والسكنى‏:‏ فلمالك قولان مراعاة لقصد الثمنية بالغلة والتجارة، وتغليبا لنية القنية على نية الثمنية؛ لأنها الأصل في العروض، فإن اشترى ولا نية له فهي للقنية؛ لأنه الأصل فيها‏.‏

قاعدة‏:‏ كل ما له ظاهر فهو منصرف لظاهره إلا عند قيام المعارض الراجح، وكل ما ليس له ظاهر لا يترجح إلا بمرجح، ولذلك انصرفت العقود إلى النقود الغالبة؛ لأنها ظاهرة فيها، وإلى تصرف الإنسان لنفسه دون مواليه؛ لأنه الغالب عليه، وإلى الحل دون الحرمة؛ لأنه ظاهر حال المسلم، وإلى المنفعة المقصودة من العين عرفا؛ لأنه ظاهر فيها، ولا يحتاج إلى التصريح بها، واحتاجت العبادات إلى النيات لتردد ما بينها وبين العادات وترددها بين مراتبها من الفرض والنفل وغيره والكائنات إلى المميزات لترددها بين المقاصد، وهي قاعدة يتخرج عليها كثير من أبواب الفقه‏.‏

الخامس‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا اكترى أرضا فابتاع طعاما فزرعه فيها للتجارة، اخرج زكاته يوم حصاده إن كان خمسة أوسق، ثم ابتدأ حولا وقومه بعده إن كان مديرا وله عين سواه، وإلا زكاة بعد البيع بعد حول، فإن باع قبله انتظر الحول إن كان نصابا؛ لأنه لا يزكى مال في حول مرتين فإن زرعها بطعامه أو كانت له فزرعها للتجارة زكاة يوم حصاده إن كان خمسة أو سق، فإن باعه فالثمن‏.‏

فائدة‏:‏ والفرق أنه متولد عن الأرض والبذر كتولد السخال عن الماشية، فلما كان أحدهما ليس للتجارة سقط حكمها تغليبا للأصل في القنية‏.‏ وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ وقيل في حكم الزرع أنه للأرض كما غلبت الأم في لحوق الولد في الزنا على الأب، وقيل‏:‏ للبذر والعمل نظرا للكثرة، وقال عبد الحميد‏:‏ يفض على الثلاثة فما ناب ما للتجارة زكى، ولو كان مال التجارة ماشية وجبت زكاة العين دون التجارة‏.‏

قال سند‏:‏ وأسقط أشهب الزكاة في وجهي الزراعة؛ لأن التجارة إنما تكون بالبيع والشراء غالبا بل هذا كمبتاع الغنم للبنها والعبد لغلته، وعند ابن القاسم لو كان مديرا وحل شهره والزرع بقل قومه بقلا، وإن حل بعد تعلق زكاة الزرع به لا يقومه ولا تبنه؛ لأنه تابع للحب قبل الانفصال، والمال لا يزكى في عام مرتين، وكذلك لو اشترى غنما فزكاها زكاة الماشية فلا يزكى ثمنها إلا بعد حول من حينئذ، فإن حل حوله بعد زكاة الحب زكى ناضه وعروضه وتبن الحب، ولا يزكى الحب إلا بعد حول من يوم زكاته، وكذلك ثمنه إن باعه‏.‏

السادس‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ من اشترى عرضا للتجارة ثم نوى القنية سقطت الزكاة، وقاله ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏‏.‏

وفي الجلاب لو اشترى عرضا للقنية فنوى به التجارة لا يكون للتجارة بل يستقبل حولا بعد البيع، وقاله مالك والأئمة‏.‏ والفرق من وجهين‏:‏

الأول‏:‏ أن الأصل في العروض القنية، فيرجع إلى أصلها بالنية، ولا يخرج عنه، كما لا يرجع المقيم مسافرا؛ لأن الأصل الإقامة حتى ينضاف إليها فعل الخروج ويصير مقيما بها لسلامتها عن معارضة الأصل‏.‏ الثاني‏:‏ أن حقيقة القنية الإمساك‏.‏ وقد وجد حقيقة البيع للربح ولم يوجد، وقال أشعب‏:‏ لا تبطل التجارة بالنية، فإن الفعل السابق - وهو الشراء للتجاره - أقوى من النية، فإنه مقصد وهي وسيلة، والمقاصد مقدمة على الوسائل‏.‏ ‏(‏الحالة الثانية‏)‏‏:‏ الإدارة كالخياط والزيات ومن ينقل القماش إلى البلاد فيجعل لنفسه شهرا يقوم فيه عروض التجارة؛ فيزكي قيمتها مع عينه ودينه إلا ما لا يرتجيه منه، فكذلك لو تأخر بيعها وقبض دينه عاما آخر، والفرق بينه وبين المحتكر‏:‏ أن ضبط حول كل سلعة مع تكرر ذلك مع الأيام عسر، فإن ألزمناه بذلك أضررنا به، أو أسقطنا الزكاة أضررنا بالفقراء فكانت المصلحة الجامعة كما ذكرناه وسوى ش وح بينهما‏.‏ وقال سند‏:‏ ومبدأ الحول اليوم الذي يزكى فيه المال قبل إدارته أو يوم إفادته إن كانت الإدارة قبل تزكيته فيبني على حول أصله، فإن اختلطت أحواله جرى على اختلاف أصحابنا في ضم الفوائد إذا اختلطت أحوالها، فإن لم يكن له ناض، أو له لكنه أقل من الجزء الواجب عليه‏:‏ قال مالك‏:‏ يبيع العرض؛ لأن الزكاة إنما تجب في القيم، فلو أخرج العرض لكان كإخراج القيمة وهو المشهور، وقال أيضا ش وح‏:‏ يخير بين البيع وإخراج الثمن، وبين إخراج العرض؛ لأن الزكاة مرتبطة بالعروض من جهة أنها مملوكة وهي الكائنة في الحول، والقيم متوهمة لم توجد ومرتبطة بالقيم لأنها النصاب، وهي السبب الشرعي، فخير لذلك، وقال ابن نافع‏:‏ لا يزكي حتى ينض عشرون دينارا بعد حول فيزكيها ثم يزكي بعد ذلك ما قل، ولا يقوم؛ لأن الزكاة إنما تتعلق بالثمن بشرط النضوض، وروى ابن القاسم في مدير لا يقوم، بل متى نض له شيء زكاه ما صنع إلا خيرا وما أعرفه من عمل الناس، قال ابن القاسم‏:‏ والتقويم أحب إلي وإذا قلنا بالتقويم فيقوم ما يباع بالذهب بالذهب، وما يباع غالبا بالفضة بالفضة؛ لأنه قيمة الاستهلاك، فإن كانت تباع بهما واستويا بالنسبة إلى الزكاة يخير والأضمن، قال‏:‏ الأصل في الزكاة الفضة قوم بها‏.‏ وإن قلنا‏:‏ إنهما أصلان فقال ‏(‏ح‏)‏ وابن حنبل‏:‏ يعتبر الأفضل للمساكين؛ لأن التقويم لحقهم، وقوله في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ يقوم دينه، محمول على دين المعاملة، أما دين القرض فقال ابن حبيب‏:‏ حتى يقبضه فيزكيه لعام واحد؛ لأن القرض مصروف عن الإدارة كعرض ادخره للكسوة أو القنية، والدين على المعسر لا يحسب ولا يقوم عند مالك والأئمة، وقال ابن حبيب‏:‏ يقومه لأنه ممكن البيع، فإن كان على مليء وعليه بينه مرضية زكاة، وإن كان مؤجلا على موسر فلا يزكيه عند ابن القاسم والأئمة لتعذر المطالبة به فأشبه المعسر، وعند ابن الماجشون‏:‏ يقومه لا مكان بيعه، وإذا كان له مال غائب لايعلم خبره، قال مالك‏:‏ لا يزكيه حتى يعلم خبره فيزكيه للسنين الماضية؛ لأنه أولى بالسقوط من الدين على المعسر لتعذر بيعه، بخلاف دين المعسر، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ المعتبر في الدين‏:‏ الحال عدده إن كان عينا، أوالقيمة إن كان عرضا أو مؤجلا، واختلف المتأخرون في تقويم دينه من الطعام نظرا لكونه بيع الطعام قبل قبضه أم لا‏.‏

‏(‏فروع ثمانية‏)‏‏:‏

الأول‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ يقوم نخل التجارة، وقاله ابن حبيب‏.‏ ‏(‏ح‏)‏ خلافا ‏(‏ش‏)‏ دون تمرها؛ لأن التمرة زكاة الخرص، ولأنها كخراج الدابة والعين، قال سند‏:‏ إن كانت النخيل مثمرة واشترط ثمرتها وقد طابت فزكاتها من البائع، وإن كانت لم تطب وكانت يوم التقويم لا تبلغ خمسة أوسق قومت مع الرقاب، وإن بلغت فيحتمل ألا تقوم لأنها آئلة إلى الزكاة في عينها، وظاهر قول أصبغ التقويم، وإن طابت يوم التقويم، وبلغت الزكاة زكى عينها ولا تقوم، وكذلك قال في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ لا يقوم المدير غنمه وإن ابتاعها للتجارة، ولترك رقابها كل عام، وقال الأئمة‏:‏ الواجب فيها زكاة التجارة قياسا على الحمير، لنا‏:‏ إن زكاة العين أقوى لتعلقها بالعين دون القيمة، ولأنه يجب باجماع ويستغنى عن النية، وتؤكد ظواهر النصوص بالوجوب في الماشية، فإن كانت دون النصاب‏:‏ قال مالك‏:‏ يقومها، إلا أن تكون للقنية لتقدم تعلق الزكاة بعينها، وإن زكى عينها ثم باعها فحول ثمنها من يوم زكاة عينها كالزرع إذا باعه بعد تعشيره وينقطع عن حول إدارته؛ لأن الحول شرط، وإن زكى قيمتها ثم نتجت فصار نصابا لم يزكها الساعي إلا إلى حول من يوم زكاة القيمة ليلا يزكى المال في الحول مرتين، وإن كانت نصابا فلم يتم حولها حتى باعها‏:‏ قال ابن القاسم في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ تسقط عنه زكاة الماشية ويزكي ثمنها لعدم مزاحمة زكاة العين‏.‏

في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ لو زكى النقد ثم اشترى به غنما بعد أشهر استقبل الحول من يوم اشتراها، وفي ‏(‏الجلاب‏)‏ رواية في بنائه على حول العين، الثاني‏:‏ قال سند‏:‏ إن كان يشتري ما يصبغه ثم يبيعه، قوم معه ماله عين مقصوده كالصبغ بخلاف غير المقصود كخيط الحرير يخيط به أو يطرز به‏.‏

وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ فيه خلاف؛ لأن المقصود الصنعة دون الخيط، وكالصابون يغسل به ولا تقوم آلات صنعته؛ لأنها لم تتخذ للبيع‏.‏ الثالث‏:‏ قال سند‏:‏ ولا يقوم كتابة مكاتبه عند ابن القاسم؛ لأنها فائدة خارجة عن الإدارة، وعند ابن حبيب‏:‏ يحسب الأقل من قيمة الرقبة أو الكتابة‏.‏

الرابع‏:‏ في ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ إذا بار عرضه قومه خلافا لعبد الملك؛ لأنه قال‏:‏ يبطل حكم الإدارة ولم يحد لذلك حدا، وحده سحنون بعامين‏.‏

الخامس‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا نض له وسط السنة أو في طرفها ولو درهم واحد قوم عروضه لتمامها، وإلا فلا، فإن نض له بعد ذلك شيء قوم وكان حوله من يومئذ‏.‏ وألغى الوقت الأول؛ لأن سبب وجوب الزكاة العين، فإذا فقدت سقط حق الفقراء‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ وقال أشهب‏:‏ لا يقوم حتى يمضي له حول من يوم باع بذلك العين؛ لأنه من يومئذ دخل في حال المدير، وقال ابن حبيب‏:‏ إذا لم ينض له شيء قوم؛ لأن التقويم لأجل القيمة، فلا حاجة إلى العين لقيام القيمة مقامها، قال سند‏:‏ وقال أشهب‏:‏ لا يزكي حتى حتى ينض عشرين دينارا أو ما يكملها بما عنده من عين بيع أو اقتضاء؛ لأن العين لما كانت معتبرة كان النصاب معتبرا، فتكون القيمة تبعا له، وكل هذه الفروع إذا ابتدأ التجارة بالعين، فلو ورث عرضا أو وهب له أو كانت عنده للقنية فأدارها فلا يزكي عند ابن القاسم، وإن نض له؛ لأنها لا تتعلق بها زكاة في الحكرة فلا يتعلق بها في الإدارة، فيجب أن يعزل ما يبتاعه مما ينض له فيكون إدارة دون الأول، وإن نض له شيء فابتاع به سلعة نظر إلى قيمتها بعد حول من يوم الابتياع، فإن كان نصابا وإلا ضم ما ابتاعه ثانيا إليه، حتى يحصل النصاب، فإن لم يحصل فلا شيء عليه، وإن حصل روعي نضوض العين بعد ذلك على الخلاف، وإن بيع بدين اعتبر بعد قبضه ما ابتاع به‏.‏ وعلى قول عبد الملك‏:‏ يكون مديرا من يوم باع؛ لأنه سلك بالدين مسلك التجارة، وسوى في ‏(‏الكتاب‏)‏ بين نضوض وسط الحول وآخره، وقال عبد الوهاب‏:‏ لا بد منه ‏(‏آخر الحول‏)‏؛ لأنه زمن الوجوب، والنضوض شرط في كل عام‏.‏ السادس‏:‏ قال سند‏:‏

اختلاط أحوال المدير كاختلاط أحوال الفوائد، ولو أدار أحد عشر شهرا ثم ترك، قال ابن القاسم‏:‏ لا يزكي دينه حتى يقبضه، ولا عرضه حتى يبيعه؛ لعدم الوجوب بعد الحول‏.‏ السابع‏:‏ قال لو كان بعض ماله مدارا أو بعضه غير مدار، وهما متساوينا‏:‏ فلكل مال حكمه‏.‏ وإلا قال ابن القاسم‏:‏ إن أدار الأكثر زكى الجميع‏.‏ أو الأقل زكاه وانتظر بالآخر حوله؛ لأن زكاة الإدارة أقوى من الحكرة لإخراجها من الدين والعرض، وبادنى نضوض بخلاف الحكرة فتكون متبوعة لا تابعة، وقال عبد الملك‏:‏ الأقل تابعا مطلقا لأنه المعهود في الشرع، وقال أصبغ بعدم التبعية مطلقا‏.‏ الثامن‏:‏ قال لو طرأ له مال فائدة فخلطها بمال الإدارة في أثناء الحول زكى كل واحد على حوله، وقال أصبغ‏:‏ إن بقي من الحول يسير ألغي‏.‏

الحالة الثالثة‏:‏ المقارضة، وهي مأخوذة من القرض الذي هو القطع، كأن رب المال اقتطع ماله عن العامل‏.‏ وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ إذا كان العامل ورب المال كل منهما مخاطب بوجوب الزكاة منفردا فيها ينوبه وجبت عليهما، وإن لم يكن فيهما مخاطب لكونهما عبدين أو ذميين أو لقصور المال وربحه عن النصاب، وليس لربه غيره‏:‏ سقطت عنهما، وإن كان أحدهما مخاطبا فقط‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ متى سقطت عن أحدهما سقطت عن العامل في الربح، وروي أشهب‏:‏ الاعتبار برب المال؛ لأنه يزكي ملكه، فاذا خوطب وجبت في حصة العامل وإن لم يكن أهلا، وفي كتاب محمد ابن المواز‏:‏ يعتبر حال العامل في نفسه، فإن كان أهلا بالنصاب وغيره زكى، وإلا فلا، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا اقتسما قبل الحول يزكي رب المال لتمام حوله ولا يزكي العامل إلا بعد حول من يوم القسمة وحصول النصاب في الربح، ولو كان على رب المال دين أو هو عبد، أو على العامل دين يغترق ربحه لم يزد العامل، وإن حصل له نصاب، قال صاحب المقدمات‏:‏ لابن القاسم في الحول قولان‏:‏ أحدهما يعتبر في رأس المال وحصة ربه دون عمل العامل، والثاني‏:‏ يضاف إلى ذلك الحول من يوم أخذه العامل، وله في النصاب ثلاثة أقوال‏:‏ أحدها يشترط في نصاب رب المال بربحه ويزكيان، كان للعامل نصاب أم لا، والثاني‏:‏ يعتبر في رأس المال وجميع الربح‏.‏ والثالث‏:‏ يعتبر في رأس المال وحصة ربه، ويعتبر في حصة العامل أيضا، فإن كانا نصابين زكى العامل، وإلا فلا يجري على غير قياس، بل ينبغي لما اشترط في التزكية إسلامهما وحريتهما وبراءتهما من الدين إن اشترط مرور الحول عليهما وملكهما النصاب‏.‏

قاعدة‏:‏ متى كان الفرع يختص بأصل أجري عليه من غير خلاف، ومتى دار بين أصلين وأصول يقع الخلاف فيه لتغليب بعض العلماء بعض تلك الأصول، أو تغليب غيره أصلا آخر، كما اختلف العلماء فيما يجب في قتل أم الولد لترددها بين الأرقاء لإباحة وطئها، والأحرار لامتناع بيعها، والتولية من المكاتب لتردده بين الأحرار لإحرازه نفسه وماله، وبين الرقيق لعدم الوفاء، ونظائره كثيرة في الشرع، وعامل القراض دائر بين أن يكون شريكا بعمله، ورب المال بما له، لتساويهما في زيادة الربح ونقصه كالشريكين، ولعدم تعلق ما يستحقه العامل بالذمة، وبين أن يكون أجيرا لاختصاص رب المال بغرم رأس المال، ولأنه معاوضة على عمل، وهو شأن الإجازة، ومقتضى الشركة‏:‏ أن يملك بالظهور، ومقتضى الإجازة‏:‏ ألا يملك إلا بالقسمة، فاجتماع هذه الشوائب سبب الخلاف فمن غلب الشركة كمل الشروط في حق كل واحد منهما، ومن غلب الإجارة جعل المال وربحه لربه فلا يعتبر العامل أصلا، وابن القاسم صعب عليه إطراح أحدهما فاعتبر وجها، فمن هذه ووجها من هذا، قال سند‏:‏ قال ابن المواز‏:‏ إسقاطها عن العامل بالدين استحسان؛ لأنه إنما يملك بالمقاسمة، والزكاة وجبت قبله فلا يضر رقه ولا دينه‏.‏ ومذهب ‏(‏الكتاب‏)‏ مبني على أنه يملك بالظهور، وهو الصحيح لنفوذ عتقة إذا ربح، إلا أنه فيه شائبتان، ويلزم من يقول بالمقاسمة أن لا يحاسب العامل بالزكاة، وجوابه‏:‏ إن الربح رقابة على المال ومصرف كلفة ومنها الزكاة، وقد قال بعض الشافعية‏:‏ إن الزكاة بجملتها تخرج من الربح لهذا المعنى‏.‏

فرعان‏:‏ الأول في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ يجوز اشتراط زكاة الربح على العامل ورب المال، ولا يجوز اشتراط زكاة المال على العامل، ويجوز في المساقاة على العامل ورب الأصل؛ لأن اشتراط زكاة الربح يرجع إلى أن العامل الربع مثلا لأربع عشرة وذلك معلوم، واشتراط زكاة المال قد تستغرق نصيبه من الربح فهو زيادة غرر في القراض فلا يجوز، وأما المساقاة فالمزكى هو الثمرة وهي بمنزلة الربح في القراض، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏ قيل‏:‏ لا يجوز اشتراط حصة العامل على رب المال لاحتمال أن لا يخرج ربحه فلا يتوجه، وروي لا يجوز اشتراط زكاة الربح على واحد مهما، وإذا فرعنا على المشهور وتفاصلا قبل حول، أو كان المال لا زكاة فيه، فلا يشترط ربع عشر الربح مع حصته كما لو اشترط لأجنبي نصف الربح فأبى من أخذه فهو لمشترطه قال سند‏:‏ فلو ربح في المال أربعين دينارا وتعاملا على النصف والزكاة على العامل، فلرب المال دينار من الأربعين، ثم نصف الباقي، فيحصل له عشرون ونصف، وعلى قول الغير‏:‏ يكون لرب المال عشرون، وللعامل تسعة عشر، ويقتسمان الدينار فيأخذ رب المال عشرين جزءا من تسعة وثلاثين، وهو مبنى على أن العامل يملك بالظهور، وإن الدينار على ملكيهما نشأ، والأول على ملكه بالمقاسمة‏.‏ الثاني‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ لا يزكي العامل وإن أقام أحوالا حتى يقتسما‏.‏ قال سند‏:‏ وذلك إذا كان العامل مسافرا؛ لأن رب المال لا يدري ما حال ماله، والعامل كالأجير، فإن تم حوله قبل سفر العامل وهو عين لم يشغله‏:‏ قال سحنون‏:‏ يزكيه ربه، وإن اشغل منه شيئا فلا يزكيه حتى يقبضه، وإن كان معه في البلد وهو مدير، قوم لتمام حوله على سنة الإدارة، وإن كان محتكرا ورب المال مديرا‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ يقومه مع حصة ربحه دون حصة العامل؛ لأن المال نفسه لم تجب فيه زكاة إلا بطريق العرض، وحصة العامل إنما تجب فيها تبعا للوجوب في الأصل، فإن كان المال غائبا وأمره بالتزكية زكاه، وحسبت الزكاة من رأس ماله، قال أشهب‏:‏ إذا لم يظهر ربح على الفور فإنه لا يملك إلا بالمقاسمة، أما إذا قلنا بالظهور تسقط الزكاة، فإن لم يأذن له وأخذه السلطان‏:‏ قال أشهب يجزئه ويحتسب من رأس المال على الخلاف، ولا يختلف في منع العامل من إخراج الزكاة، ويختلف في حصته من الربح على الخلاف في زمن ملكه‏.‏ ومذهب ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ يزكي لسائر الأعوام؛ لأن المال ينمى، وقال مرة لعام واحد؛ لأنه عاجز عن رد العامل فأشبه الدين، ولو اقتسما ورب المال مدير والعامل غير مدير‏:‏ لم تكن على العامل زكاة حصته إلا لعام واحد، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ إذا اتفقا في الإدارة ففي تقويمه عند الحول خلاف، وفي إخراجه الزكاة بعد التقويم من المال أو مال رب المال خلاف، وإن كان مخالفا لرب المال في الإدارة أشار ابن محرز إلى إجزائه على الخلاف فيمن له مالان مدار وغير مدار، وإذا قلنا يزكي لعام واحد فالمعتبر حالة الانفصال، إن استوى مقداره في جميع السنين، أو كان الماضي أكثر، فإن كان انقص زكى في كل سنة ما كان فيها فإن اختلف بالزيادة والنقص زكى الناقصة وما قبلها على حكمها وزكى الزائدة على حكمها‏.‏ والناقصة قبلها على حكمها، مثل أن يكون في الأول مائتين وفي الثاني مائة، وفي الثالث ثلاثمائة، فيزكى عن مائتين في العامين الأولين، وعن ثلاثمائة في العام الثالث‏.‏ قال اللخمي هذا كله في العين، ويزكي العامل قبل رجوعه الماشية والثمار والزرع وزكاة فطر الرقيق، ومن أي شيء تحسب زكاة الماشية والزرع‏؟‏ ثلاثة أقوال في ‏(‏الكتاب‏)‏ من رأس المال، وقال في غيره‏:‏ يلغى كالنفقة، والثالث يجري فيه أن ربحت كان على العامل بقدر ربحه، وأما الرقيق‏:‏ فالثلاثة المتقدمة، والرابع ما في ‏(‏الكتاب‏)‏ يخرجه رب المال من عين المال، ولم يختلف المذهب في نض زكاة العين على المال والربح، فإن بيعت الغنم بربح فضت عليه وعلى رأس المال كالنفقة أو بغير ربح، وأيما حصل بعد ذلك كانت على رب المال، وحط قدرها من رأس المال، ولا يلغى ليلا يكون على العامل وحده، وكذلك الزرع والرقيق يراعى الربح في أثمانهم بعد البيع أو معه، قال صاحب ‏(‏النكت‏)‏‏:‏ يسقط رب المال قيمة الشاة من رأس المال، ويكون رأس المال ما بقي، ولا يجوز له أن يدفعها من ماله دون مال القراض؛ لأنه زيادة قراض بعد الشغل، فإن لم يفسخ ذلك حتى نض المال‏:‏ كان للعامل في مقدار قيمة الشاة ما ينوبه في ربح القراض‏.‏

القسم الثالث من النقدين ما يكون ديونا في الذمة، قال صاحب ‏(‏المقدمات‏)‏ وهو أربعة اقسام‏:‏ من فائدة، ومن غصب، ومن قرض، ومن تجارة، والأول أربعة أقسام‏:‏ الأول الميراث والهبة وأرش الجناية ومهر المرأة فلا زكاة فيه حالا أو مؤجلا، وإن ترك قبضه فرارا إلا بعد حول بعد قبضه‏.‏ والثاني‏:‏ من عرض أفاده، فهو مثل الأول، وقال عبد الملك‏:‏ إن باعه مؤجلا فقبضه بعد حول زكاه حينئذ، وإن أخره فرارا يتخرج على قولين‏:‏ تزكيته لماضي السنين ويستقبل به حولا بعد القبض، والثالث، عن العرض المشترى للقنية بناض كان عنده إن كان مؤجلا فقبضه بعد حول زكاه حينئذ‏.‏ وإن ترك قبضه فرارا زكى لماضي الأعوام‏.‏

والرابع‏:‏ دين الإجارة، إن قبضة بعد استيفاء المنفعة كان كالقسم الثاني أو قبل الاستيفاء وهو مثلا ستون دينارا عن ثلاث سنين‏:‏ ثلاثة أقوال، أحدها‏:‏ الذي يأتي على قول ابن القاسم في ‏(‏المدونة‏)‏ في مسألة هبة الدين‏:‏ أن يزكي بعد حول عشرين‏.‏

والثاني‏:‏ يزكي تسعة وثلاثين ونصفا، قاله‏:‏ ابن المواز‏.‏ والثالث‏:‏ لا يزكي إلا عشرين بعد عامين؛ لأنه في السنة الثانية ملك أربعين عليه عشرون دينارا، قال صاحب ‏(‏تهذيب الطالب‏)‏‏:‏ يحتمل أن يكون موضع الخلاف دارا، ويحتمل سقوطها في تلك المدة، ولم تبلغ إلى حد الغرر المانع من الإجارة، ولو شهدت العادة ببقائها أكثر من العقد لم يختلف فيها، ويحتمل أن يكون الخلاف في حال لا في حكم، بأن يكون قول ابن القاسم في دار تخشى، وقول سحنون حيث لا تخشى، وأما الغصب‏:‏ فثلاثة أقوال المشهور‏:‏ يزكيه زكاة واحدة كالقرض، والثاني‏:‏ يستقبل حولا كالفائدة، وقيل‏:‏ لسائر الأعوام الماضية، وأما القرض فلعام واحد بعد القبض لحصوله عنده في طرفي الحول، وقياسا على عروض التجارة، ولأن الزكاة لا تجب إلا في معين، والدين في الذمة غير معين فلا يجب، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ إن كان على مليء زكاة بعد القبض لكل عام، وإن كان على معسر فلا شيء عليه، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ إن كان معترفا ظاهرا وباطنا باذلاله زكاة لكل عام قبل القبض كالمودع، وإن اعترف باطنا فقط‏:‏ اخرجها بعد القبض، والجاحد مطلقا لهم فيه قولان‏:‏ كالمغصوب والمؤجل والضائع، ودين التجارة كعروض التجارة في حكم الإدارة والحكرة‏.‏

فروع ثلاثة‏:‏ الأول في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ من حال الحول على ماله فأقرضه قبل زكاته ثم قبضه بعد سنين زكاه لعامين، ومن له دين من قرض أو بيع فلا يزكيه حتى يقبض منه نصابا ثم يزكي بعد ذلك قليل ما يقتضيه وكثيره، أنفق الذي زكى أو أبقى؛ لأنه إذا قبض دون النصاب لعله لا يقبض غيره، فلا تجب الزكاة عليه؛ لأن المدين بصدد الإفلاس والإعسار، ويكون المقبوض بعد ذلك تبعا كعروض التجارة إذا باع منها بنصاب زكاه، ويزكي بعد ذلك ما ينتفع به تبعا، ولو كان معه نصاب لم يتم حوله فاقتضى من دينه أقل من نصاب لم يزكهما حتى يتم حول الأول فيزكيهما؛ لأن الحول في الأول شرط، والنصاب في الثاني شرط ولم يوجدا قبل، قال سند‏:‏ فلو تلف ما اقتضاه قبل حول الأول زكى الأول إذا تم حوله دون التالف أو المنفق؛ لأنهما لم يجتمعا في الوجوب، بخلاف إذا لم يكن معه الأول، واقتضى من دينه عشرة بعد حوله فأنفقها، ثم اقتضى عشرة أخرى فإنه يزكي الأولى والآخرة عند ابن القاسم، والفرق‏:‏ أن الدين مال واحد تتعلق به الزكاة بالحول، فهو كالتمر إذا أزهى بحسب ما أكل منه بعد ذلك، وقيل‏:‏ لا يزكي المنفقة؛ لأنه أنفقها قبل الوجوب، كما لو أنفقها قبل الحول، قال أبو الطاهر‏:‏ إذا قبض عشرة ثم عشرة‏:‏ فالمشهور حول الجميع من قبل الثانية، والشاذ من الأول، ويتخرج عليه الخلاف في ضياع الأولى أو إنفاقها، والإنفاق أولى بالوجوب لكونه مختارا كالقرض بعد الحول، ومنشأ الخلاف‏:‏ هل وجبت الزكاة قبل القبض‏؟‏ وإنما التوقف الإخراج، ولا يجب إلا بالقبض‏.‏

وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ لو زكى الأولى بعد الحول قبل قبض الدين زكى ما يقبضه من قليل أوكثير، تلف الأول أو بقي لتمام الحول لهما، وهما كالمال الواحد في النصاب والحول، فهو كمن اقتضى نصابا من دينه فزكاه، فإنه يزكي بعد ذلك ما يقتضيه من قليل وكثير، بخلاف ما اقتضاه قبل حول الأول لاختلافهما في كمال الحول، وكذلك قال في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ لو تلف الأول قبل الحول لم يزك ما يقبض حتى يبلغ نصابا لحصول التباين، وكذلك قال‏:‏ لو أفاد مائة فأقرض منها خمسين أو ابتاع بها سلعة فباعها مؤجلة وبقيت بقيتها حولا فزكاها ثم أنفقها أو أبقاها فليزك قليل‌‌‌‌‌ ما يقتضي وكثيره ولو تلفت النفقة بعد الحول أو أنفقها فلا شيء فيما يقتضى حتى يكون نصابا أو عنده ما يكمله به وقد حال عليه الحول، ولم يزكه ولو زكاه لم يضم وزكى ما اقتضى، وإن كان دون دون النصاب، ولو بقي من الأول دون النصاب فأنفقه بعد الحول أو أبقاه، فاذا اقتضى تمام النصاب زكاه، ثم يزكي قليل ما يقتضي وكثيره، ولو انفقه واقتضى شيئا من دينه قبل الحول لم يضفه بعد الحول ولا يزكي حتى يقتضي نصابا لافتراقهما بسبب الحول، فلا يعتبر أحدهما في الآخر تفريع، قال سند‏:‏ فلو اقتضى من دينه دينارا بعد الحول ليس له غير‏.‏ فاتجر فيه فبلغ نصابا زكاه على المذهب في ضم الربح إلى الأصل، ثم يزكي ما يقتضي وإن قل، ولو اقتضى من دينه قبل بلوغ الأول نصابا، والجميع نصابا زكاه، إلا أن يكون ابتاع به سلعة فلا يضمه للثاني حتى ينض ثمنها‏.‏ وفي ‏(‏الجواهر‏)‏ لو لم يكن لرب المال غير الدين فاقتضى منه دينارا ثم آخر فاشترى بالأول ثم بالثاني فباع سلعة الأول بعشرين والثانية كذلك، زكى عن أحد وعشرين إن كان شراه بالثاني بعد بيع سلعة الأول حتى يجتمعان، وإن كان قبل زكى الأربعين لحصول سبب الربح قبل وجوب الزكاة، ولو اشترى بالثانية ثم بالأول قبل البيع زكى الأربعين على المشهور، وقال أبو الطاهر‏:‏ وعند أشهب إذا أكمل النصاب بالثاني بقي الأول على حوله، وإن كان دون النصاب ينبغي ألا يزكي إلا أحدا وعشرين؛ لأن الغيب كشف أنه شراه بالأول بعد وجوب الزكاة فيه، وإن كان شراؤه بالأول بعد بيعه لما اشتراه بالثاني، زكى عن أحد وعشرين، قال مالك‏:‏ وحول ما يقتضيه بعد النصاب من يوم يقبضه؛ لأنه يوم وجوب الزكاة، فلو كثر ما يقتضيه وصعب ضبطه قال مالك‏:‏ يضيف ما شاء منه لما قبله، وكذلك إذا باع عرضه شيئا بعد شيء ويضم الفوائد إذا اختلطت إلى أواخرها لتباين أحوالها، ولا زكاة قبل الحول، وروي عنه التسوية؛ لأنه الأصلح للفقراء‏.‏ الثاني‏:‏ قال ابن القاسم في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ لا يجزئه التطوع بزكاة الدين قبل قبضه، ولا العرض قبل بيعه، لعدم شرط الوجوب‏.‏ قال سند‏:‏ قال أشهب بالإجزاء؛ لأن الوجوب عنده ثبت، وإنما بقي التمكن وقد تمكن، وقال مرة‏:‏ يجزئه في الدين دون العرض، فإن الزكاة في ثمن العرض، وهو مختلف بالأسواق، فلا يستقر فيه وجوب حتى يباع، والدين متعين‏.‏ الثالث‏:‏ قال سند‏:‏ من أودع مالا فأسلفه المودع ثم طلبه ربه بعد سنين فاحاله على المستقرض‏:‏ زكاة لعام واحد، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ يمكن أن يزكي نصابا ثلاثة في حول بأن يكون لرجل دين، وعليه مثله لثالث والمديانان مليان، ولكل واحد منهما عرض يفي بما عليه فأحال الوسط مطالبة على مديانه فقبضه بعد حول، فالزكاة على الطرفين، ويختلف في الوسط‏.‏

النظر الثاني في شروط الوجوب

وهي ثلاثة‏:‏ الأول، الحول، ويسمى حولا؛ لأن الأحوال تحول فيه، كما يسمى سنة لتسنه الأشياء فيه، والتسنه التغير، وسمي عاما؛ لأن الشمس عامت فيه حتى قطعت جملة الفلك، ولذلك قال الله تعالى‏:‏ ‏(‏وكل في فلك يسبحون‏)‏ ‏(‏يس‏:‏ 36‏)‏، واصل شرطيته‏:‏ ما في أبي داود‏:‏ ‏(‏ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول‏)‏، وشرطيته مختصة بالنقد والماشية بخلاف الزرع، لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وآتوا حقه يوم حصاده‏)‏ ‏(‏الأنعام‏:‏ 6‏)‏‏.‏ والفرق‏:‏ أن الزرع حصل نماؤه يوم حصاده، ولا يحصل فيهما بمجرد حصولهما في الملك، ويستثنى من النقدين المعدن والركاز لعلل تأتي إن شاء الله، وفيه بحثان‏:‏ البحث الأول في الأرباح، وهو كل عسر زكاته تقدم في الأصل زكوي في الأول احترازا من لبن الماشية الثالث احترازا من علة المفتنات، وفيه فروع خمسة‏:‏ الأول، في ‏(‏الكتاب‏)‏ حول ربح المال حول أصله‏.‏ كان الأصل نصابا أم لا، ووافق ‏(‏ح‏)‏ إن كان الأصل نصابا، ومنع ‏(‏ش‏)‏ مطلقا‏.‏ لنا‏:‏ قول عمر - رضي الله عنه - للساعي عليهم‏:‏ السخلة يحملها الراعي لا تأخذها، والربح كالسخال، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ يقدر الربح عند ابن القاسم موجودا يوم الشراء بالمال حتى يضاف إليه ما في يده، وعند أشهب يوم حصوله، وعند المغيره يوم ملك أصل المال، وعليه تتخرج مسألة ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا حال الحول على عشرة فأنفق منها خمسة، واشترى بخمسة سلعة فباعها بخمسة عشر، قال ابن القاسم‏:‏ تجب الزكاة أن تقدم الشراء على الإنفاق وإلا فلا، وأسقطها أشهب مطلقا، وأوجبها المغيرة مطلقا، قال سند‏:‏ وإذا قلنا‏:‏ يزكي الجميع على قول المغيرة، فلو أسلف خمسة بعد الحول واشترى بالباقي سلعة وباعها بخمسة عشر لينتظر قبض السلف عند ابن القاسم وأشهب لتكميله النصاب، وقال ابن حبيب‏:‏ لا ينتظر لأنه لو أتلفها زكى، فكيف ينتظر، فعلى قولها‏:‏ لو أنفق الخمسة عشر ثم اقتضى‏.‏

قاعدة‏:‏ متى يثبت الشرع حكما حالة عدم سببه أو شرطه‏:‏ فإن أمكن تقديرهما معه فهو أقرب من إثباته، وإلا عد مستثنى عن تلك القاعدة، كما أثبت الشرع الميراث في دية الخطأ، وهو مشروط بتقدم ملك الموروث، قرر العلماء الملك قبل الموت ليصح التوريث، ولما صححنا عتق الإنسان عبده عن غيره‏.‏

وأثبتنا الولاء للمعتق عنه احتجنا لتقدير تقدم مثل ملكه للمعتق عنه قبل العتق؛ لأنه سبب الإجزاء عن الكفاره وثبوت الولاء، وذلك كثير في الأسباب والشروط والموانع، فيعبر العلماء عن هذه القاعدة باعطاء المعدوم حكم الموجود، والموجود حكم المعدوم، وها هنا لما ألحق الشرع السخال والفوائد بالأصول مع اشتراط الحول ولا حول حالة وجودها احتجنا لتقديرها في أول الحول محافظة على الشروط، ولما كان الشراء سبب الربح قدره ابن القاسم لملازمة المسبب سببه، وعند أشهب يوم الحصول ليلا يجمع بين التقديرين، والتقدير على خلاف الأصل، والمغيرة يلاحظ سببية الأصل فيقدر عنده‏.‏ قال سند‏:‏ وروي عن مالك استقلال الربح بحوله، وهذا إذا تقدم ملك أصل المال في يده‏.‏ أما لو اشترى سلعة بمائة، وليس له مال فباعها بمائة وثلاثين بعد الحول‏:‏ فروى ابن وهب‏:‏ يستقبل بالربح لعدم تقدم ملك عليه، وروى أشهب‏:‏ يزكيه الآن لأن الدين مستند إلى دنانير في الذمة والمعينة ملكه إجماعا‏.‏

الثاني‏:‏ قال لو اشترى سلعة بمائة دينار فباع السلعة بمائة وثلاثين‏:‏ روى ابن القاسم‏:‏ يزكي الربح على المائة التي بيده إذا حال عليها الحول؛ لأن الشراء كان متعلقا بالتي بيده لو طالبه البائع نقدها فكانت أصلا كما لو نقدها، وروى أشهب‏:‏ يأتنف حولا به لعدم تعين المائة القضاء، ولو شاء باع السلعة وقضى من ثمنها، وإذا قلنا لا‏.‏ فروى أشهب يبتدئ الحول من يوم النضوض‏.‏

الثالث‏:‏ قال لو تسلف مائة دينار فربح فيها بعد الحول عشرين‏.‏ ففي تزكية العشرين خلاف، ولو تسلف فاتجر فيه حولا‏:‏ روى ابن القاسم‏:‏ يؤدي ما تسلف ويزكي الربح‏.‏ وإليه رجع مالك‏.‏

الرابع‏:‏ في ‏"‏ الكتاب ‏"‏‏:‏ من باع عشر دنانير بمائة درهم بعد الحول، أو ثلاثين ضأنية قبل مجيء الساعي بعد الحول بأربعين معزى غير حلوب، أو عشرين جاموسة بثلاثين من البقر، أو أربعة من البخت بخمسين من العراب زكى، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ لو استبدل ذهبا بذهب أو فضة بفضة استأنف الحول لاشتراط الحول في كل عين، ولاختلاف أجناسها في البيع‏.‏ لنا‏:‏ أن الغرض متحد، والواجب فيها واحد، فيكون البدل كربح الأصول حولها واحد، وأما البيع فباب مكايسة، وهذا باب معروف، قال سند‏:‏ ويتخرج فيه الخلاف الذي في ضم الأرباع‏.‏

الخامس‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا اشترى بالعشرين سلعة بعد الحول قبل التزكية فباعها بعد حول بأربعين زكى للحول الأول عشرين، وللثاني تسعة وثلاثين ونصف دينار، يزكي الأربعين‏.‏ وإن باع قبل حول زكى العشرين فقط حتى يكمل الحول يزكى، قال سند‏:‏ وإذا ألحقنا الربح بالفائدة زكى في السنة الثانية عن عشرين فيجب دينار للحولين ويزكي الربح في الحول الثالث، وإذا فرعنا على المشهور فلابن القاسم قول‏:‏ أنه لا يجعل دين الزكاة في العروض بل في المال الذي في يده، ولا يحتسبه في غيره مع وحول له؛ لتعلقها به كتعلق الدين بالرهن والجناية بالجاني من الرقيق‏.‏

البحث الثاني في الفوائد - وهي الأموال المتجددة عن غير أصل مزكى‏.‏ فالأول احتراز من الأرباح، والثاني احتراز من حالة المقتناة، وفيه فروع أحد عشر‏:‏

الأول‏:‏ في الكتاب إذا أفاد دون النصاب، ثم أفاد قبل حوله نصابا أو ما يكون مع الأول نصابا بنفسه أو بربحه، فالحول من يوم إفادة الثاني؛ لأن اعتبار الحول فرع ملك النصاب، وإن كان الأول نصابا والثاني كذلك أو دونه، فكل مال يزكى على حوله ما دام في جملتها نصاب، فإن نقصت عنه كانت كفائدة لا زكاة فيها، فإن أفاد ما يتمها نصابا استقبل الحول من يوم الثالث، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ يضم الثاني إلى الأول إذا كان الأول نصابا لما في ‏(‏الموطأ‏)‏ أن معاوية - رضي الله عنه - كان يأخذ من أعطيات الناس الزكاة مع أموالهم، وقياسا على الأرباح ونسل الماشية، والجواب عن الأول‏:‏ المعارضة بعمل الخلفاء قبله، وبأدلة اعتبار الحول، وعن الثاني، الفرق‏:‏ أن الأرباح والنسل فرعان عن أصل فأعطيا حكمه في الحول بخلاف الفوائد‏.‏ وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ إذا أفاد فائدتين مجموعهما نصاب ضم الأولى إلى الثانية، وقيل‏:‏ يزكيهما لحول الثانية أول عام، ثم يبقي كل فائدة على حولها، ولو كانت الأولى نصابا لا يضمها للثانية لنقصان جزء الزكاة، بل تبقى على حولها، وقيل‏:‏ يضمها، ولو أفاد عشرة ثم عشرة فأنفق الأولى أو ضاعت لم يزك الثانية عند تمام الحول عند ابن القاسم لعدم النصاب، خلافا لأشهب، ويضم ما دون النصاب من الماشية إلى الأولى إذا كانت نصابا بخلاف العين، والفرق‏:‏ أن العين موكلة إلى أمانة عين أربابها فيرتبونها على أحوالها، والمواشي للسعاة فيعسر عليهم الخروج في كل وقت، وقيل‏:‏ لأن أوقاص العين مزكاة بخلاف الماشية، فالمضموم لا عبرة به في الماشية في كثير من الصور، قال‏:‏ ويتخرج على الفرق من لا سعاة لهم، وقال ابن عبد الحكم بالتسوية بين العين والماشية‏.‏ قال صاحب ‏(‏النكت‏)‏‏:‏ قال بعض القرويين‏:‏ كمن ليس لهم سعاة يضمون الثانية إلى الأولى لاحتمال تولية السعادة عليهم‏.‏

الثاني‏:‏ وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ ولو رجعت بقية أحدهما أو كليهما نصابا بالمتجر رجع كل مال إلى حوله، قال سند‏:‏ معناه‏:‏ أن يتجر بعد حول الأول وقبل حول الثاني يزكي الأول وربحه حينئذ وانتقل حوله لذلك الوقت، فإن كان تحري في الثاني زكى الأول، وإذا جاء حول الأول ومعه منهما نصاب زكى الثاني وربحه، ولو خلطهما عند حول الأول فعادا نصابا قبل حول الثاني فض الربح على قدر المالين وزكى الأول وحصته من الربح، ولو زكى الأول عند حوله ونقص الجميع عند حول الثاني عن النصاب ثم اتجر بأحدهما فصار الجميع نصابا، فإن اتجر ما بين الحولين زكى الثاني على نحو ما مر، ولا يزكي الأول؛ لأنه زكاة في سنته ولم يحل له حول، وإن اتجر بعد حول الأول من السنة الأخرى فقد اختلط حول المالين ورجعا مالا واحدا في الزكاة خلطهما أم لا، اتجر بأحدهما أو بهما أو لا، فإن ربح في أحدهما ولم يدر ما هو، ففي كتاب ابن سحنون‏:‏ يزكي على حول آخرهما ليلا يزكي الأول قبل حولهما‏.‏ وهو يخرج على الخلاف في اختلاط أحوال الفوائد، وقال بعض الشراح‏:‏ وكلام ‏(‏الكتاب‏)‏ فيه عجرفة، ويظهر أن معناه ما في كتاب محمد والذي في كتاب محمد‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ من أفاد عشرة ثم عشرة ضم الأولى إلى الثانية، فإن صارت الأولى نصابا لمتجر قبل حول الثانية زكاها ويزكي الثانية بحولها، وإن قلت‏:‏ فإن كان يزكي الفائدتين كل واحدة لحولها ثم رجعا دون النصاب، ثم صارت الأولى نصابا بالمتجر قبل أن يجمعهما حول زكاهما حينئذ، وينتقل حولهما إلى ذلك الوقت، ثم إذا حل حول الثانية زكاها إن كان فيها وفي الأولى نصاب‏.‏

الثالث‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏ لا يزكي الكتابة والميراث والهبة إلا بعد حول بعد القبض، ولو قبضها بعد أحوال فلا شيء فيها للأحوال قبل القبض، وأوجبها ‏(‏ش‏)‏ في الدين مطلقا، كان فائدة لأصل أو لا أصل له، وقال‏:‏ دين المبايعة يقبل الفسخ بخلاف هذه فيجب فيها بطريق الأولى، وخصص ذلك ‏(‏ح‏)‏ بدين المعارضة بمال أو غيره كالمهر والخلع والصلح‏.‏ لنا‏:‏ أنها ديون لم تثبت عليها يد ولم تتعين، وحيث أجمعنا على الزكاة ففي معين وفي اليد، وهذه بخلافه فلا تجب، بخلاف ما وجب عن مال، فإن الأصل كان متعينا، وفي اليد، والمقبوض بدله، فينزل منزلته، قال سند‏:‏ فلو ورث عرضا فلا زكاة فيه ولو قصد به التجارة، وكذلك لو باعه فأقام ثمنه سنين بعد حول بعد القبض، وإن ورث حليا يجوز اتخاذه فنوى قنيته فلا زكاة، وإن نوى التجارة زكى وزنه، قاله في ‏(‏الكتاب‏)‏ من يوم قبضه لتعلق الزكاة بعينه، وإن ورث ثمرة قبل طيبها فالزكاة عليه، ويعتبر النصاب في نصيبه، وإلا فلا زكاة على الميت، ويعتبر النصاب من جملة الورثة‏.‏

الرابع‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏ تستقبل ‏(‏المرأة‏)‏ بمهرها حولا بعد القبض عينا أو ماشية مضمونة، أما العين من الماشية والنخل فتزكيها أتى الحول عندها أو عند الزوج؛ لأن ضمانها منها، وقاله الأئمة‏.‏

الخامس‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا تأخر ثمن الشركة عند الحاكم ليقسم فلا يزكي إلا بعد حول من يوم القبض، ولو بعث الوارث رسوله بأجر أو بغير أجر فالحول من قبض رسوله، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ في تنزيل قبض وكيله منزلة قبضه خلاف، وكذلك يحسب الحول من يوم قبض الوصي على الاصاغر؛ لأن يد الوكيل يد الموكل، والوصي وكيل الأب، فلو كانوا صغارا أو كبارا فحول الصغار من يوم القسمة؛ لأنه يومئذ عند مالهم، وحول الكبار من يوم القبض؛ لأن قبض الوصي لا يكون قبضا لهم، وما لهم من باب مال الضمان، وهو كل مال أصل ملكه متحقق والوصول إليه ممتنع كالضائع والمغصوب والضال مأخوذ من التغير الضامر الذي لا ينتفع به لشدة الهزال، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا زكاة في جميع ذلك، وقال ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل‏:‏ يزكي لماضي السنين، وراعى مالك حصول المال في اليد في طرفي الحول؛ لأن كمال الملك إنما يحصل باليد ومع عدمها يشبه الإنسان الفقير فلا زكاة، قال سند‏:‏ وروي عن مالك في الموروث وما يتبعه السلطان يقبض بعد سنين‏:‏ يزكى لعام واحد قياسا على الدين، ولو وضع الإمام الموروث تحت يد عدل ثم قبضه الوارث فظاهر ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ الاستيناف في الحول بعد القبض لعدم التمكن من التصرف قبل ذلك، وقال مطرف‏:‏ يزكي لماضي السنين وإن لم يعلم به؛ لأن قبض السلطان للغائب والصغير كقبضه، وقال أيضا إن لم يعلم به استأنف، وإن علم ولم يستطيع التخلص إليه زكاه لعام واحد، وإن استطاع فلماضي السنين، ولو حبس الوكيل المال عنه سنين بإذنه وهو مفوض إليه، زكاه لكل عام، وإن كان غائبا عنه، وروى ابن القاسم عن مالك‏:‏ لا يزكيه إلا لعام واحد، وقال أصبغ‏:‏ لكل عام، ولو تصدق على غائب بمال وغلة له سنين، فإن قلبه استأنف حولا، قال ابن القاسم‏:‏ ولا يسقط عن الأول زكاة ما مضى؛ لأن الملك إنما انتقل عنه بالقبول، وقيل‏:‏ يسقط؛ لأن القبول مسند إلى الإيجاب‏.‏

السادس‏:‏ قال سند‏:‏ لو بعث بمال يشتري به ثوبا لزوجته فحال حوله قبل الشراء، قال ابن القاسم‏:‏ يزكيه‏.‏

السابع‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ من ورث نصابا من ماشية أو نخلا فأثمرت وذلك في يد وصي أو غيره يأخذ الساعي صدقتها كل عام، علم الوارث أم لا، بخلاف العين؛ لأن الخطاب بالزكاة خطاب وضع لا خطاب تكليف، ولذلك وجب في مال الأصاغر، وخطاب الوضع معناه‏:‏ اعلموا أني قد وضعت النصاب سببا للزكاة، فمتى وجدتموه بشروط فأخرجوا منه الزكاة‏.‏ والمقول له هذا هو المقول له في النقدين أربابها‏.‏ وفي الماشية والحرث الإمام ونوابه، فلا جرم لم يحتج لعلم المالك، وإنما خصص خطاب النقدين بأربابها؛ لأنها أمور خفية لا يتمكن الإمام فيها، ولأن الحرث والماشية ينميان بأنفسهما، فلا حاجة إلى يد تنمية بخلاف النقدين، والفرق بين الماشية الغائبة والمغصوبه أن النماء في المغصوب للغاصب وضمانها منه، والضامن كالمالك، بخلاف الغائبة للوصي‏.‏

الثامن‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا أفاد عشرة فأقرضها، ثم أفاد خمسين فحال حولها فزكاها، ثم أنفقها فليزك ما اقتضى من العشرة لاجتماعها مع الخمسين في الحول، وإنما توقف على القبض الإخراج‏.‏

التاسع‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا أفاد نصابا ثم ما دونه فزكى الأول لحوله، وأنفقه قبل حول الثاني‏.‏ لم يزك الثاني عند حوله إلا أن يفيد معه أو قبله، وبعد الأول ما يكمل النصاب وهو باق، فإن كان الجميع دون النصاب وأفاد رابعا يكمله زكى الجميع لحول الرابع؛ لأن اعتبار الحول فرع النصاب، وكذلك لو أقرض مائة ثم أفاد عشرة لم يزكها لحولها إذ لعله لا يقتضي الدين، فإن أنفق العشرة بعد حولها أو أنفقها ثم اقتضى عشرة زكاها معها وجعل حولهما من حينئذ، ثم يزكي ما اقتضى من قليل أو كثير، ويصير حول ما اقتضى من يوم يزكيه، وقال سحنون‏:‏ إلا أن يكثر ذلك عليه ويرد الاخير إلى ما قبله‏.‏

العاشر‏:‏ في ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ لو باع المقتناه بنسيئة ففي ابتداء الحول من يوم القبض أو البيع قولان‏.‏

الحادي عشر‏:‏ ‏(‏قال‏)‏‏:‏ إذا اجتمعت فوائد واقتضاآت وقد اجتمعت الفوائد وأصل الديون في مالك وحول، فإن استقل كل نوع بتمام النصاب لم يضف أحد النوعين إلى الآخر إلا أن يتفق حول الفوائد ووقت الاقتضاء، فإن قصرت عنه منفردة وكملت مجتمعة أضيفت الفائدة إلى ما بعدها من الاقتضاء تخفيفا للحول بخلاف تقديمها والاقتضاآت إلى ما قبلها من صنفها لحلول الحول على أصل الدين، وإنما أخر الإخراج خشية الإعسار، مثل أن يقتضي عشرة ثم عشرة فانه يزكي الثانية أنفق الأولى أو أبقاها، وإن استفاد عشرة ثم اقتضى ‏(‏عشرة‏)‏ فلا يضيف الفائدة إلى الدين إلا أن تبقى في يده حتى يحول حولها عند أشهب، أو يقتضي عند ابن القاسم على اختلافهما في المال إذا جمعه مالك دون حول، ولو اجتمعت فوائد وديون ولو أضاف الفوائد إلى ما بعدها لم يحصل نصاب، وكذلك إن أضاف الدين إلى ما قبله لكي يكمل بإضافة الجميع، ففي الزكاة قولان للمتأخرين، كما لو اقتضى عشرة ثم استفاد عشرة، ثم اقتضى خمسة بعد انفاق العشرة المقتضاة، فمن اعتبر إضافة الخمسة إلى العشرة المقتضاة وإضافة ما قبلها من الفائدة إليها وعدها كالوسط أوجب الزكاة في الخمسة خاصة؛ لأنها تزكى بالمالين، قال أبو الطاهر‏:‏ إنما وقع الاختلاف فيها خاصة، وسمعنا الوجوب في الجميع عند بعض الأشياخ، وهو مقتضى التعليل السابق - وهو كونها تزكى بالمالين - وكذلك لو اقتضى عشرة ثم أفاد عشرة ثم اقتضى دينارا‏.‏ جرى الخلاف في الدينار والجميع، ولو كان الاقتضاء عشرة وجب في الجميع؛ لأنك كيفما أضفت على الاجتماع والانفراد وجبت، وهو يشبه الخليط الخليط هل هو خليط أم لا‏؟‏

الشرط الثاني‏:‏ التمكن من التنمية، ويدل على اعتباره إسقاط الزكاة عن العقار والمقتناة‏.‏ فلو أن الغني كاف لوجبت فيهما، ولما لم تجب دل على شرطية التمكن من النماء إما بنفس المالك أو بوكيله‏.‏ وفيه‏:‏

‏(‏فروع خمسة‏)‏‏:‏

الأول‏:‏ المغصوب مع الديون، وقد تقدمت فيما يزكى من الدين‏.‏

الثاني‏:‏ اللقطة، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ تزكى لعام واحد كالدين، وقال المغيرة‏:‏ لكل عام؛ لأن ضمانها منه، والحاقا للضياع بالمرض والسجن المانعين من التنمية‏.‏

الثالث‏:‏ في ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ إذا دفنه فضاع زكاه لكل عام لتفريطه، قال مالك‏:‏ وقيل‏:‏ لعام واحد كالدين، وقيل‏:‏ إن دفنه في صحراء فلكل عام لتعريضه إياه للتلف بخلاف الموضع المحصور، وعكسه ابن المواز وعده في الصحراء كالهالك وفي بيته كالقصر في الطلب‏.‏

الرابع‏:‏ قال‏:‏ الماشية المغصوبة تعاد بعد أعوام‏:‏ ففي الكتاب‏)‏‏:‏ يزكيها لعام واحد، وقال ابن القاسم أيضا‏:‏ لجملة الأعوام، وما أخذه السعاة أجزأ عنه، ولو ردت الماشية بعيب أو أخذها البائع بفلس المشتري، أو لفساد العقد بعد أعوام‏:‏ ففي زكاتها على البائع أو المشتري خلاف مبني على أن الرد في الصور الثلاث هل هو نقض للبيع من أصله أم من حينه‏؟‏ وعليه يأتي بناء البائع على ما تقدم من الحول أو استئنافه، وأما ما اشتراه من الماشية فحال حوله قبل قبضه زكاه‏.‏

الخامس‏:‏ في ‏(‏البيان والتحصيل‏)‏‏:‏ المشهور‏:‏ تزكية الوديعة لكل عام، وروي عن مالك لعام واحد لعدم التنمية‏.‏

الشرط الثالث‏:‏ قرار الملك، قال سند‏:‏ إذا أكرى داره أربع سنين بمائة نقدا فمر به حول، قال ابن القاسم‏:‏ يزكي ما يقابل ما سكنه الآخر، وما يقابل قيمة الدار، فإن الأجرة دين عليه، وقال أيضا‏:‏ يزكي الجميع، وهو مبني على أن ملك عوض المنافع هل من يوم القبض، أو من الاستيفاء‏؟‏ فمقتضى عقد الإجازة استحقاق كل واحد منهما لما عقد عليه، ومقتضى عدم تسليم المنفعة يزلزل الملك، وقد تقدم كلام عبد الحق فيها في الديون، ولا زكاة في الغنيمة قبل القسم على المشهور لعدم تحقق السبب الذي هو الملك‏.‏

النظر الثالث في الموانع

وهي أربعة‏:‏ الأول، الدين وفيه بحثان‏:‏ البحث الأول، في الدين المسقط، وهو مسقط عند مالك و‏(‏ح‏)‏ وابن حنبل عن العين الحولي فيما يقابلها منها احترازا من الحرث والماشية والمعدن خلافا ل‏(‏ش‏)‏، لنا قوله- عليه السلام -‏:‏ ‏(‏

إذا كان للرجل ألف درهم وعليه ألف درهم فلا زكاة عليه‏)‏ ولأن الزكاة إنما تجب على الغني لما في الصحيحين‏:‏ ‏(‏فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة وفي رواية‏:‏ زكاة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، ولأن المديان تحل له الصدقة لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏والغارمين‏)‏ والفرق بين النقد والحرث والماشية من ثلاثة أوجه‏:‏

الأول‏:‏ أن النقد موكول إلى أمانة أربابه فيقبل قولهم في الديون كما يقبل قولهم في ماله بخلافهما ما لم يوكلا إليها لم يقبل قولهما في الدين تسوية بين الصورتين‏.‏

الثاني‏:‏ أنهما ينميان بأنفسهما فكانت النعمة فيهما أتم، فقوي إيجاب الزكاة شكرا للنعمة، فلا يؤثر في سقوطها الدين بخلاف النقد‏.‏

الثالث‏:‏ إن النقد لا يتعين؛ فالحقوق المتعلقة به متعلقة بالذمم، والدين في الذمة فاتحد المحل فتدافع الحقان فرجع الدين لقوته بالمعاوضة، والحرث والماشية يتعينان والديون في الذمم فلا منافاة، وأما المعدن فأشبهه بالحرث‏.‏ قال سند‏:‏ فلو كانت الماشية رهنا لم يكن للمرتهن منع التصدق لوجوب الزكاة في العين وحق المرتهن في الذمة أو ماليتها، فلو حضر الساعي وفلس ربها واختار البائع ‏(‏الغنم‏)‏ فللمصدق أخذ الزكاة منها، فإن شاء البائع أخذ الباقي بجملة الثمن، ولا فرق في الدين بين أن يكون مجلس الماشية أم لا‏.‏

وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ من عنده عبد وعليه عبد بصفته فليس عليه زكاة الفطر إذا لم يكن له مال‏.‏ قال سند‏:‏ وأشهب يوجبها، وابن القاسم يرى أنها زكاة مصروفة بأمانة أربابها فأشبه العين، وأشهب يرى أنها وجبت بسبب حيوان فأشبهت الماشية، أو لأنها تخرج من الحب فأشبهت الحرث‏.‏

وفي ‏(‏المقدمات‏)‏‏:‏ الدين عند ابن القاسم ثلاثة أقسام‏:‏ دين يسقطها وإن كان له عروض تفي به، وهو دين الزكاة وحال عليه حول كزكاة العام الأول في العام الثاني أم لا، كما لو استفاد نصابا ثم في نصف حوله نصابا فتحول حول الأول فلا يزكيه حتى يتلف، ثم يحول حول الثاني فلا تجب عليه زكاته لأجل الدين، وقال أبو يوسف، إن كانت العين التي وجبت فيها الزكاة قائمة منع حق زكاة العام الأول زكاة العام الثاني، وإن استهلكت لم يمنع، وقال زفر‏:‏ لا يمنع مطلقا قياسا على الكفارة بجامع حق الله تعالى، والفرق‏:‏ توجه المطالبة بدين الزكاة من جهة الآدميين بخلاف الكفارة، وقسم يسقطها كان له حول أم لا، إلا أن تكون له عروض تفي به، وهو ما استدانه فيما بيده من مال الزكاة، وقسم يسقطها إن لم يمر له حول من يوم استدانه، كانت له عروض أم لا ويسقطها إن مرت به سنة من يوم استدانه، إلا ان يكون له عرض يفي به؛ وهو ما استدانه فيما بيده من مال الزكاة كان الدين من مبايعة أو سلف لعشرة فاتجر فيها مع عشرة له، فإن تسلفها في نصف حول الأول لم تجب الزكاة، وإن كان له عرض، حتى يحول حول من يوم التسلف، فإن تسلقها في أول حول الأولى وجبت الزكاة إن كانت له عروض تفي بالدين، وأشهب يسوي بين دين الزكاة وغيره، وقيل‏:‏ الدين كله مسقط وإن كانت له عروض، لقول عثمان - رضي الله عنه – في ‏(‏الموطأ‏)‏‏:‏ ‏(‏هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين فليؤد دينه حتى تحصل أموالكم فتؤدون منها الزكاة‏)‏‏.‏

قال سند‏:‏ فإن لحقه الدين بعد الحول لم يسقطها قياسا على السلف والتلف وإن كان قبل الإمكان - وهو معاوضة - لم يسقطها لمقابلة عوضه له، أو بغير معاوضة، كالمهر والحمالة مما هو برضاه لم يسقطها، وما هو بغير رضاه كالجناية يسقطها لعدم التهمة، وقياسا على التلف حينئذ، وجميع حقوق العباد يسقطها عينا أو عرضا، حالة أو مؤجلة، وحقوق الله تعالى منها ما يطالب به كالزكاة فيسقطها وما لا يطالب به كالكفارة فلا يسقطها خلافا لـ ‏(‏ش‏)‏ والفرق‏:‏ أجزاء الصوم فيها فلا تتعين المالية في جنسها‏.‏

فروع ثلاثة‏:‏ الأول في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ يسقطها مهر المرأة ونفقتها قضي بها أم لا؛ لأنها تحاص الغرماء في الموت والفلس به بخلاف نفقة الولد والأبوين ولو قضى بها القاضي وحلت خلافا لأشهب في المقضي بها؛ لأنها مواساة لا تجب إلا مع اليسر، ونفقه المرأة معاوضة، قال سند‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ لا يسقطها المهر؛ لأنه ليس شأن النساء المطالبة به إلا في موت أو فراق، قال‏:‏ فعلى قوله‏:‏ تجب الزكاة على المكاسين؛ لأن مطالبة الناس لهم أندر من مطالبة النساء بالمهر، وهي لا تجب عند ابن القاسم، وأسقطها بنفقة الولد قياسا على الزوجة، والفرق له‏:‏ أن الأصل نفقة الولد وعدم نفقة الوالد حتى تضر الحاجة‏.‏ وفي ‏(‏النكت‏)‏‏:‏ قال بعض القرويين‏:‏ كلام ابن القاسم في الولد محمول على ما إذا أسقطت ثم حدثت، أما إذا لم تتقدم بيسر فتسقط بنفقة الزكاة‏.‏

الثاني‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا وهب الدين المقدور على أخذه بعد أحوال فلا زكاة على الواهب ولا الموهوب له حتى يحول الحول بعد قبضه، إلا أن يكون للموهوب عرض يقابله لنقصان ملكه بتسلط الغريم ونقصان تصرفه بامتناع التبرع، فلا تجب الزكاة للقصور عن موضع الإجماع، ولقوة الشبه بالفقراء، وقال غيره‏:‏ يزكي الموهوب له كان له عرض أم لا؛ لأن الدين متعلق بالذمة، ولا يتعين له هذا المال، والزكاة متعلقة بعين المال، وقد زال المانع وتقرر الملك، فيجب كما لو كان عرض، وفي ‏(‏الجلاب‏)‏‏:‏ إذا كان له دين بقدر عينه فأبرأه منه ربه بعد الحول ففي تزكيته في الحال أو يستقبل حولا روايتان عن ابن القاسم، وكذلك أن وهب له عرض يساويه، قال سند‏:‏ لو لم يره لكن أفاد بعد الحول ما يفي بالدين، فقال ابن القاسم‏:‏ لا يزكي خلافا لأشهب، ولو وهب لغير المديان، قال ابن المواز‏:‏ يزكيه الواهب؛ لأن يد القابض كيده، خلافا لأشهب، ولو أحال بالدين غريمه بعد الحول‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ الزكاة على المحال والمحيل؛ لأن قبض المحال كقبضه‏.‏

الثالث‏:‏ في ‏(‏الجلاب‏)‏ إذا اقترض نصابا فاتجر به حولا فربح نصابا، زكى عن الفضل دون الأصل، وقيل‏:‏ لا زكاة فيهما إلا بعد حول على الربح تغليبا لحكم الأصل على الفرع‏.‏

المبحث الثاني‏:‏ فيما يقابل به الدين، في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ يجعل دينه في كل ما يباع عليه في دين الفلس، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا يجعل في غير النقدين، وهو منقول عندنا في ‏(‏الجواهر‏)‏ لما في ‏(‏الموطأ‏)‏ أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - كان يقول‏:‏ ‏(‏هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين فليؤد دينه حتى تحصل أموالكم فتؤدون منها الزكاة‏)‏ ولو كان يجعل في العروض لقال‏:‏ اجعلوها في عبيدكم ودوركم‏.‏ ولم ينكر عليه أحد، فكان إجماعا فجوابنا‏:‏ أن مراده دفع الدين حتى يزكيه قابضه؛ لقوله‏:‏ حتى تحصل أموالكم‏.‏ ولم يتعرض لما يقابل الدين‏.‏ ويؤكده أن الزكاة متعلقة بعين المال، والدين بالذمة، فلا يزاحمها إلا إذا انسدت الطرق وتعين المال مصرفا للدين، وقياسا على التبرعات ونفقات الأقارب فانها لا تمتنع حينئذ‏.‏ قال سند‏:‏ ومشهور مذهب ابن القاسم‏:‏ جعل دين الزكاة في العرض كسائر الديون، وقال أيضا‏:‏ لا يجعل إلا في المال الذي في يده لتعلق الزكاة به، كالرهن والجناية، والتسوية لمالك و‏(‏ح‏)‏ و‏(‏ش‏)‏‏.‏ وفي ‏(‏الجواهر‏)‏ عن ابن القاسم في اشتراط ملك العرض الذي يجعل قبالة الدين من أول الحول أو يكفي آخر الحول‏.‏ روايتان‏.‏

فروع خمسة‏:‏

الأول في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ يجعل دينه في قيمة رقبة مدبريه وقيمه كتابة مكاتبيه تقوم الكتابة بعرض، ثم العرض بعين؛ لأن المدبر إنما ينظر في عتقه بعد الموت فيلحق بالوصية والهبة التي لم تقبض، وفي ‏(‏الجلاب‏)‏‏:‏ يجعل في قيمته خدمته لامتناع بيعه وجواز إجارته، فالمتحقق المنفعة، وقال سحنون في ‏(‏المجموعة‏)‏‏:‏ لا تجعل في الرقاب ولا في الخدمة؛ لأن الغريم لا يدفع عن النقد بها، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏ إن دبر بعد الدين جعل في رقبته بلا خلاف، والخلاف في المعتق إلى أجل، وأولى بالمنع، ولا يجعل دينه في الآبق لامتناع بيعه‏.‏ وقال أشهب‏:‏ إن كان قريبا جعل، وأما تقويم الكتابة بالعرض فحذرا من الربا إذا كانت بالنقدين، وما لا يكون ثمنا شرعا لا يكون قيمة شرعا‏.‏

قال سند‏:‏ يجعل في قيمته مكاتبا؛ لأنه المتحقق الآن، وقال أصبغ‏:‏ في قيمة عبد؛ لأن الأصل رقه‏.‏

والأصل عدم وفاء الكتابة، وقياسا على الجناية، ويجعل في قيمة خدمة المعتق إلى أجل عند أشهب، وفي قيمة رقبة المخدم على أنه يرجع بعد مدة الخدمة‏.‏ وعلى مذهب سحنون‏:‏ لا يقوم لامتناع بيعه في الدين على أنه يتأخر قبضه إلى موت المخدم، أو السنين الكثيرة المحدودة بخلاف القليلة، وكذلك المستأجر‏.‏ وإن كان غيره أخدمه عبدا جعل في قيمة الخدمة عند أشهب‏.‏

الثاني‏:‏ قال ابن القاسم في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ يجعله في دينه المرتجى دون الميئوس والعبد الآبق، قال سند‏:‏ الحال يحسب عدده، والمؤجل على ظاهر ‏(‏الكتاب‏)‏؛ لأن المقصود إنما هو أخذ حق الفقراء، وقال ابن سحنون‏:‏ في قيمته؛ لأنها المحققة الآن في البيع، وقال ابن القاسم‏:‏ يقوم الدين الذي على المعسر بجعله في ‏(‏الكتاب‏)‏ كالضائع ورأى مرة إمكان البيع‏.‏

الثالث‏:‏ قال سند‏:‏ من له مائتان مختلفتي الحول، وعليه مائة، زكى مائة للحول الأول، وجعل الدين في الأخرى فلا يزكيها عند حولها لتعلق الدين بها عند ابن القاسم‏.‏ وفي كتاب ابن حبيب‏:‏ أي مائة حل حولها زكاها، وجعل الدين في الأخرى، وهو أحوط‏.‏

الرابع‏:‏ قال صاحب ‏(‏النكت‏)‏‏:‏ لو كان له مائة وعليه مائة لأجير لم يعمل له ما استأجر عليه، جعل عمله سلعة يجعل فيها دينه‏.‏

الخامس‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏ إذا كان له مائة، وعليه مائة، وبيده مائة، جعل ما عليه في التي له وزكى التي بيده‏.‏ قال اللخمي‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إن كان على غير مليء حسبت قيمته، والدينان إما حالان أو مؤجلان، أو أحدهما حال، ولا يختلف في هذه الأقسام في جعل عدد ما عليه، وإنما الخلاف في الذي له، فتارة يحسب عدده، وتارة قيمته، وتارة لا يحسب شيئا، أما الحال على الموسر فعدده كان الذي عليه حالا أو مؤجلا، وأما المؤجل والذي عليه حال فجعله في قيمته، وإن كانا مؤجلين وتساوى الأجلان أو اجل دينه أو لا جعله في قيمته، وإن كان الذي يحل عليه قبل، جعل عدد ما عليه في قيمة ماله‏.‏ وإن كان على معسر لم يجعل في عدده ولا قيمته‏.‏

المانع الثاني‏:‏ في اتخاذ النقدين حليا لاستعمال مباح عند مالك و‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل خلافا ل‏(‏ح‏)‏ محتجا بما في أبي داود عن عائشة - رضي الله عنها - قالت‏:‏ ‏(‏دخل النبي- عليه السلام - فرأى في يدي فتخات من ورق فقال‏:‏ ‏(‏ما هذا يا عائشة‏؟‏‏)‏ قالت‏:‏ صنعتهن أتزين لك، قال‏:‏ تؤدين زكاتهن‏؟‏ قالت‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ هو حسبك من النار‏)‏ والفتخات خواتم كبار، ولأن الحلي وغيره استويا في الربا فيستويان في الزكاة، والجواب عن الأول منع الصحة، قاله‏:‏ الترمذي، ويؤكده ما في ‏(‏الموطأ‏)‏ أن عائشة - رضي الله عنها - كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي، فلا تخرج من حليهن الزكاة، وعن الثاني‏:‏ أن الربا متعلق بذات النقدين، والزكاة متعلقة بوصفهما، وهو كونهما معدين للنماء، فليس المدرك واحدا حتى يستويا‏.‏

فروع أربعة‏:‏ الأول‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ لا زكاة فيما يتخذه النساء من الحلي للكراء واللباس، أو الرجل للباس أهله وخدمه، ولا فيما كسر فحبس لإصلاحه، قال ابن يونس‏:‏ يريد إذا كان الكسر قابلا للإصلاح، فإن احتاج للبسط فهو كالتبر يزكى، قال مالك‏:‏ وإذا نوي اصلاحه ليصدقه امرأة زكى، ومنع أشهب، وما اتخذه الرجل لامرأة يتزوجها أو أمة سيبتاعها فحال الحول قبل ذلك زكى عند ابن القاسم خلافا لأشهب؛ لأن المانع لم يحصل، وإنما حصل قصده‏.‏ ولو اتخذته امرأة لابنة حدثت لها فلا زكاة لجواز استعمالها له، بخلاف الرجل، وإن اتخذته عدة للدهر دون اللباس أو الكراء والعاربة زكته؛ لأن المسقط التجمل ولم يوجد، ولو اتخذته للباس ونوته للدهر فقيل‏:‏ لا تزكيه نظرا للانتفاع باللباس، والأحسن الزكاة، قال سند‏:‏ روي عن مالك الزكاة في حلي الكراء؛ لأنه نوع من التنمية‏.‏ وقال ابن حبيب‏:‏ ما اتخذه الرجل من حلي النساء أو من حلي الرجال للكراء زكى، وكذلك ما اتخذه النساء من حلي الرجال للكراء لامتناع التجمل به على مالكه في الصورتين‏.‏

الثاني‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا ورثه الرجل فحبسه للبيع أو لتوقع الحاجة دون اللباس، زكاه‏.‏ قال سند‏:‏ قال أشهب‏:‏ لا يزكي، فلو ورثه ولا نية له زكى عند مالك لوجود السبب، ولم يتحقق المانع وأسقط أشهب مراعاة لصورة الحلي‏.‏

الثالث‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ لا زكاة في حلية السيف والمصحف والخاتم، قال سند‏:‏ يريد إذا كان للقنية لا للتجارة، ولا خلاف في خاتم الفضة للرجال، وحلية السيف بالفضة، والمشهور جوازه بالذهب، وكراهة تحلية غيره من السلاح؛ لأن التجمل على العدو إنما يحصل غالبا بالسيف، وجوزه أشهب في الأسلحة والمنطقة قياسا على السيف ومنع في السرج واللجام والمهاميز؛ لأنها لباس الدواب، وجوزه ابن وهب و‏(‏ح‏)‏ مطلقا لعموم الإرهاب في قلب العدو، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏ قال ابن شعبان‏:‏ يباح الذهب والفضة للباس النساء وشعورهن وأزرار جيوبهن وأقفال ثياببهن، ويباح للرجال خاتم الفضة وتحلية السيف والمصحف بها وربط الأسنان والأنف بالذهب‏.‏

وأما الأواني وحلية المرايا والمكاحل وأقفال الصناديق والأسرة والدوي والمقالم فحرام من الذهب والفضة للرجال والنساء‏.‏

وأما تحلية الكعبة والمساجد بالقناديل بل والعلائق والصفائح على الأبواب والجدر من الذهب والورق، قال سحنون‏:‏ يزكيه الإمام لكل عام كالعين المحبسة‏.‏ وقال أبو الطاهر‏:‏ وحلية الحلي المحظور كالمعدومة والمباحة، فيها ثلاثة أقوال‏:‏ تسقط وتزكى كالمسكوك، والثاني‏:‏ إنها كالعرض إذا بيعت وجبت الزكاة حينئذ، ولا يكمل بها النصاب، والثالث‏:‏ يتخرج على القول بأن حلي الجواهر يجعل معه كالعين فيكمل بها النصاب ها هنا‏.‏

الرابع‏:‏ في ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ لا زكاة في حلي الصبيان؛ لأن مالكا جوز لهم لبسه، قال ابن شعبان‏:‏ فيه الزكاة‏.‏

المانع الثالث‏:‏ الرق؛ لأن العبد عندنا يملك خلافا لـ‏(‏ش‏)‏ لكن تسلط السيد على انتزاع ما في يده مانع من الزكاة كالدين، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ من فيه علقة رق لا زكاة عليه ولا على السيد عنه في شيء من الأموال وقاله‏:‏ الأئمة إلا ‏(‏ح‏)‏ في عشر أرض المكاتب والمأذون له‏.‏ لنا‏:‏ ما رواه ابن وهب عن ابن عمر - رضي الله عنهما -‏:‏ ‏(‏ليس على العبد ولا على المكاتب زكاة في ماله‏)‏ ولأن الزكاة مواساة فلا تجب عليه كنفقة الأقارب، وأولى بعدم الوجوب لوجهين، الأول‏:‏ إن القريب أولى بالبر من الأجنبي، الثاني‏:‏ أنها تجب لمن لا يملك نصابا، ولأن صورة النزاع قاصرة عن محل الاجماع فلا تلحق به، والفرق بينه وبين المديان متصرف بالمعاوضة بغير إذن، ولأنه سقطت عنه لحق نفسه ليلا تبقى ذمته مشغولة، والعبد لحق غيره، فهو أشد، قال‏:‏ ويستأنف السيد الحول إذا انتزع؛ لأن ملكه متجدد‏.‏

وفي ‏(‏تهذيب الطالب‏)‏‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا أسلم الكافر أو أعتق العبد فماله‏.‏

فائدة كان عينا أو ماشية أو زرعا، إلا أن يكون قبل طيب الزرع وانتهاء الثمرة فيزكيهما‏.‏

المانع الرابع‏:‏ توقع طريان المستحق، ففي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ إذا نوي الملتقط التملك في السنة الثانية ولم يتصرف، استأنف الحول من يوم نوى، ومنع ابن القاسم إذا لم يحركها توفية للملك الأول ببقاء العين‏.‏